أوقع الجيش الأوكراني خسائر فادحة في صفوف ألوية بوتين المدرعة. بالنسبة لطواقم الدبابات الروسية فقد تحولت الدبابات بسبب ميزة فنية خاصة لمصيدة للموت. إنهم يجلسون على برميل بارود.
في الحرب الأوكرانية يجري القتال على جبهتين: في المدن والقرى وفي الانترنت. أحد أهم أسلحة الأوكرانيين هي الفيديوهات القصيرة للنجاحات العسكرية لجيشهم الذي كان يُعتقد أنه أقل من مستوى الجيش الروسي. عمليات إسقاط الطائرات الحوامة والمقاتلة تم توثيقها عبر مقاطع قصيرة صُورت من طائرات مسيرة عن بعد ولكن قبلها صور لدبابات روسية مدمرة. منصة التوثيق Oryx وثقت أكثر من 260 دبابة قتالية روسية مدمرة. في الواقع يمكن أن يكون العدد أكبر من ذلك بكثير.
في صور الدبابات الروسية التي تم تحييدها كانت درجة التدمير مفاجئة. ودائما يتكرر هذا التفصيل: في الكثير منها لم يعد البرج مع المدفع في مكانه. عوضاً عن ذلك ثقب أسود مدور في الآلية. بعض المقاطع المصورة تُظهر ماذا حل بالبرج: على بعد عشرات الأمتار من الدبابة وكأن عملاقاً انتزعه وألقاه بعيداً.
يهاجم الجنود الأوكرانيين الدبابات الروسية غالبا بصواريخ جافلين أو NLAW أو عبر قنابل المسيرات التركية من طراز بيرقدار. ولكن هل يفسر هذا الدمار الشامل في الدبابات؟
في أغلب الحالات يتم تدمير دبابات T-72. طرازها الأصلي تم إنتاجه في الحرب الباردة. ولكن هذا الطراز تم تحديثه عدة مرات عبر السنين الماضية مما جعله يبقى دبابة القتال الرئيسية للقوات المسلحة الروسية. دبابة T-72 تم تطويرها من قبل شركة التسليح أورال فاغنوزافود وتم وضعها في بداية السبعينات في الخدمة من قبل الاتحاد السوفييتي. تصميم الدبابة هو ما يجعلها غير حصينة ويحولها لمصيدة موت بالنسبة للطاقم.
هذه الدبابة كان من المفترض أن تكون ندّا لدبابات الناتو والدبابات الأمريكية فهي بالمقارنة معها صغيرة وخفيفة وسهلة المناورة. تزن أقل من 40 طناً وهي بهذا أقل وزنا بعشرين طن من الدبابة الألمالنية ليوبارد 2 و الأمريكية أبرامز م1. وعلى عكس الدبابات الغربية تحتاج الدبابة الروسية لثلاثة رجال في الطاقم: القائد والسائق والمدفعي. وهذا بفضل تقنية كانت جديدة في ذلك الوقت وهي التلقيم الآلي لمدفع 125 مم. بهذا تم التخلي عن وجود ما يسمى بمُلقّم المدفع على متن الدبابة وهو المكلف بتلقيم المدفع.
وحتى في النسخة الأقدم T-64 فكر المهندسون بنظام تحميل وهو عبارة عن مخزن مستدير يتم دفع الطلقات منه إلى المدفع أثناء عملية الإطلاق. وبينما يحتاج المدفع في الدبابات الأخرى للتلقيم في كل مرة يتم فيها الإطلاق، يحتاج النظام الآلي في دبابة T-72 ثلاثة ثواني لإتمام هذه العملية ويمكن للمخزن الواحد إطلاق 44 طلقة مدفع.
وبهذا تمكنت الدبابة في ذلك الوقت من تحقيق ميزة الإطلاق السريع كما يقول المؤرخ العسكري من متحف الدبابات في مدينة مونستر “رالف راتس”. التصميم الجديد مسطح بمقدار 30 سم تقريبا مقارنة بالدبابات السوفييتية الأقدم. وبهذا أصبح من الصعب على العدو إصابة الدبابة وفقا لحساب المصممين السوفييت.
ولكن لو اخترقت قذيفة التدريع فالوضع سيكون كارثيا بالنسبة للطاقم. ففكرة التلقيم الآلي تحمل عيباً هائلاً: القائد والمدفعي يجلسان في البرج فوق الذخيرة مباشرة والسائق يجلس في الحيّز الداخلي والمُلقّم الآلي خلفه تماماً. يقول راتس: ” لو أصيبت الدبابة بقذيفة سلاح مضاد للدروع أو بقذيفة من دبابة معادية فالعواقب وخيمة بالنسبة للطاقم فهم يجلسون حرفيا على برميل بارود.

تأثير جاك إن ذا بوكس
لو تم اختراق تدريع الدبابة ستنفجر كل الذخيرة داخلها. قوة الانفجار ستكون هائلة بحيث أن البرج والمدفع سينفصلان عن حلقة حوض الدبابة ويطيران بعيداً عن الهيكل. وهي عادة ما تكون أضعف نقطة في الدبابة. وهذا ما يلاحظه المرء في حطام الكثير من الدبابات الروسية في أوكرانيا حالياً. يتحدث الخبراء عن تأثير “جاك إن ذا بوكس” وهو مصطلح مشتق من لعبة مخصصة للأطفال تقفز منها لعبة على شكل مهرج من صندوق عند فتح الغطاء. الجنود في هذه الدبابات لا فرصة أمامهم للبقاء على قيد الحياة.
لكنه يعتقد أن حقيقة أن الجنود الأوكرانيين يستهدفون بأسلحتهم المضادة للدروع الأماكن في الدبابات الروسية التي تؤدي لانفجار الذخيرة داخل الدبابة، استثناءً. على الأرجح يحاولون استهداف الدبابة من جوانبها. يفتقد معظم الجنود أثناء المعركة للظروف الملائمة لإصابة الدبابة بدقة كبيرة.
الطواقم في الدبابات الغربية محميون بشكل أفضل من انفجارات كهذه. فالذخائر مخزنة في مكان ليس قريباً جداً من أفراد الطاقم. في دبابة ليوبارد الألمانية تم تصنيع لوح فاصل. المدفعي يمكنه فتح اللوح عبر باب لالتقاط القذيفة ثم يقوم بإغلاقه مرة أخرى. ولو تمت إصابة حجرة تخزين الذخيرة من قبل قذيفة خارقة للدروع فستخفّف ما تُسمى “بألواح التفجير” المخاطر بالنسبة للطاقم. هذه الألواح هي عبارة عن أجزاء من التدريع تم تصميمها بحيث يتم تصريف ضغط الانفجار نحو الأعلى أي إلى خارج الدبابة. ولهذا لا تنفجر دبابات كهذه. يمكن للجنود في الحالة المثالية مغادرة الأجزاء الداخلية من الدبابة من دون أن يُصابوا بأذى.
الانفجارات داخل دبابات تي الروسية ليست جديدة. فقد تم ملاحظتها في حروب أخرى. في سوريا خسرت قوات الأسد بهذه الطريقة دبابات من طراز T-72 كما خسر العراق أيضا في حرب عاصفة الصحراء. إضافة لهذا تؤثر هذه المشكلة على دبابات أخرى من طرازات T-80 أو T-90 التي تمتلك آلية تلقيم مشابهه.
ولكن لماذا اختار المصممون الروس تقنية معادية للبشر كهذه؟
من وجهة نظر تاريخية على الأقل يمكن اقتباس بعض التفسيرات من العقيدة العسكرية الروسية. اعتمد المصممون والجيش على الدوام عند تطوير الدبابات الروسية على الإنتاج بكميات ضخمة. كان الهدف هو توفير عدد كبير من الدبابات لضمان تفوق عددي في ساحة المعركة بهدف هزيمة العدو في النهاية عبر التفوق العددي.
وعبر هذه الاستراتيجية نجح الجيش الأحمر في هزيمة دبابات الجيش الألماني. دبابة تي 34 التي كانت أهم دبابة روسية في الحرب العالمية الثانية، كانت دبابة بسيطة يمكن إنتاجها بسرعة وبأعداد كبيرة. وبسبب التفوق العددي لدبابات تي 34 نجح الجيش الأحمر في المعارك المصيرية في الحرب العالمية الثانية بالانتصار أيضاً على الدبابات الألمانية المتفوقة تقنياً حتى لو كلف هذا الانتصار أعدادا كبيرة من الضحايا في الجانب الروسي.
بقيت روسيا منذ ذلك الوقت مخلصة لهذه العقيدة التي جلبت لها في النهاية النصر. وبناء عليه لعبت قضية حماية الجنود دوراً ثانوياً. في العهد القيصري كانت أكبر ميزة يتمتع بها الجيش الروسي هي العدد الهائل من الجنود التي كانت الامبراطورية الشاسعة توفره. يقول راتس:” الآن يختلط التقليد المتوارث من العهد القيصري مع الإيديولوجية الجماعية البلشفية.”
على عكس ذلك يتم تصميم الدبابات الغربية وفقاً لمعايير مختلفة تماماً. يتعلق الأمر هنا ببناء آلات حربية بتقنية عالية يمكن على سبيل المثال أيضاً إصلاحها بسرعة وحماية حياة طواقمها. وأفضل مثال على ذلك هو دبابات ميركافا الإسرائيلية التي تُصنف على أنها آمنة جدا بالنسبة للطاقم. كان هذا هدفاً للتصميم لأن البلد الصغير أدرك بسرعة أنه لا يمكنه في حالة الحرب تحمُّل خسائر مادية أو بشرية كبيرة. ووفقاً لهذا تم تصميم دبابات أكثر أمناً، مثلاً عبر وضع المحرك وأجزاء أخرى حول الحيّز الداخلي في الدبابة. بالنسبة للطاقم يوجد بهذا حيز إضافي خلف تدريع الدبابة يرفع من فرصة نجاتهم في حال اختراق قذيفة لتدريع الدبابة.
الدبابة تي 14 تحمي طاقمها بشكل أفضل
ترغب روسيا أيضاً مستقبلاً بحماية طواقم دباباتها. لا تزال دبابة تي 14 أرماتا في طور التجربة بحسب بيانات روسية. ولكنها ينبغي أن تكون النموذج الأول لجيل كامل جديد من الدبابات القتالية ستكون منافسة من الناحية التقنية للدبابات الغربية. ولكن نشأت مشاكل عديدة في تصميم الدبابة وحتى اليوم هناك فقط بعض النماذج الخاصة منها. الكثير من التفاصيل التقنية للدبابة التي ظهرت للمرة الأولى عام 2015 ما تزال غير معروفة. ولكن يبدو أنه تم استبدال ألية التلقيم الآلي لصالح الحفاظ على أمان طاقم الدبابة. برج الدبابة أصبح غير مأهول وتم توفير مكان للطاقم في كبسولة مدرعة مما يعني توفير فرصة أكبر للنجاة في حال إصابة البرج.
بالنسبة للجنود الروس اليوم في أوكرانيا فإن هذا التطور يأتي متأخراً جداً.
اترك تعليقًا