فيروس الكورونا في سوريا
أفضل شيء هنا أننا محاصرون.
في إدلب يتوقع الملايين الوصول الرسمي لفيروس كورونا. و لكن الحياة بين الحرب و اللجوء وحشية جدا, لدرجة أنه يمكن العثورة على شيء إيجابي في هذا الرعب: شيء إيجابي في حالة الحصار.
تقول مريم و هي تذكر يد الله الحامية: لا خوف لديهم من المرض. و لكن السيدة البالغة 55 عاما لا تكتفي بالإيمان البسيط. بل تقدم دليلا إحصائيا على أن الله يجب أن يكون إلى جانبها وفقا لحقائق واقعية: “و إلا كنت سأكون ميتة منذ زمن طويل. عندما سقطت القنبلة البرميلية على بعد خمسين مترا من بيتنا في حلب. و في مكان النزوح التالي كادت أن تصيبني شظية قنبلة في الرأس قبل أن يشدني حفيدي إلى الأسفل”، لا، الله جاد في حمايتي. لهذا لا تخاف من فيروس الكورونا.
في محافظة إدلب السورية، حيث تتداخل معايير البقاء على قيد الحياة مع الوحشية على مدى السنين القاسية الماضية, هناك خوف كبير من الجائحة, و لكنها في النهاية خطر على الحياة من بين أخطار كثيرة.
هنا تبدو الأمور في آخر ملاذ للمتمردين مقلوبة رأسا على عقب. حيث يُحشر أكثر من ثلاثة ملايين إنسان في مساحة تصغر على الدوام. هنا حيث تبدو الأخبار المرعبة من العالم الذي يعيش بسلام حول وجوب البقاء في البيت، و كأنها وعود بالجنة.
حتى التحذيرات حول القدرة المحدودة للمشافي الأوربية يتم التهوين منها في إدلب. ففي كامل المحافظة يوجد 105 أسرة عناية مشددة و 30 جهاز تنفس صناعي. “فقدنا في عام واحد 76 مشفى و سيارات إسعاف في شمال غرب سوريا بسب الغارات الجوية”، كما يقول على عجل الرئيس المُنهك لهيئة الصحة في إدلب. “الكثير من الأطباء و الممرضين قُتلوا. معظم الداعمين أوقفوا الدعم. نحاول الاستعداد على قدر المستطاع.” يقول الدكتور منذر الخليل في فيديو, “و لكن لا نملك حتى ماء نظيفا بشكل كاف للشرب، علاوة على ماء لغسل اليدين أو حتى صابون.”
البقاء في المنزل؟ بالنسبة لمريم عبد القادر, الجدة التي تضع ثقتها في الله, لا يكفي إصبعاها الاثنان لعد قاطني خيمة واحدة, وجدت فيها منذ شهر شباط ملاذا مع من نجا من عائلتها. “ابنتاي الاثنتين تعيشان معي، و لكن عائشة، الأكبر سنا، معاقة ذهنيا. تبكي كلما سمعت مقاتلات حربية في السماء. فاطمة هي أرملة، يعيش طفلاها معها. و يعيش معنا أيضا أطفال ابني الثمانية, و الذي قُتل في غارة جوية. تركتهم أمهم بعد الغارة.”
كل المنازل التي عاشت فيها دُمرت و تحولت إلى أنقاض. في البداية منزلها في حلب، ثم المنزل في موطنها القديم الأتارب، حيث هربت. المخيم قرب قرية كفر جنا فيه 34 خيمة فقط، يعيش فيها قرابة 200 شخص، ثلاثة مراحيض للرجال و ثلاثة للنساء. “أفضل العودة إلى الأتارب. هناك توقف القصف منذ أسابيع. و لكن يجب أن أقترض مالا لدفع تكاليف النقل. بعدها نصل هناك ليبدأ كل شيء من جديد و عندها نعجز عن الخروج.” لم ترد تحميل الله فوق طاقته.
حتى الآن, مساء يوم الأربعاء, لا توجد و يا للعجب حالات عدوة بالكورونا في إدلب. و لكن هذا لا يتعلق كثيرا بإخفاء المعلومات أو بالله, و إنما بحالة الحصار في المحافظة. تقريبا لا يخرج أحد أو يدخل إلى الإقليم, لا بشر ولا فيروس. حتى القتال توقف. إدلب هي جزيرة. أو كما يقول مربي الأطفال في الحضانة و الذي فر هو أيضا من مكان لآخر، أحمد وسيم: “هذا هو الشيء الوحيد الجيد في وضعنا الحالي، أننا محاصرون ! للمرة الأولى في التاريخ يبدو الحصار أمرا جيدا !”
لكنه يقول أن على المرء ألا يتخلى عن الشجاعة و يتحدث عن نجاة مستمرة و أنه عثر لعائلته المكونة من أربعة أفراد على مكان في مدرسة مهجورة. بلا كهرباء، بلا تدفئة، و لكن قريبا سيصبح الطقس أدفأ. يحنّ إلى تفاحة أو برتقالة فلم نحظى بهذا منذ أشهر, ليس له هو بل لطفلتيه التوأم بعمر ثمانية أعوام. و حول فكرة حماية نفسه من الفيروس يقول: “هذا لكم في أوروبا. خوفكم هو رفاهية. و لكن نحن مفلسون. لو وُجد عمل ما هنا, سأقوم به. يمكننا فقط أن نصلي و نأمل.
حتى فحص العدوى بفيروس الكورونا أصبح بعد الكثير من النداءات متاحا قبل عدة أيام. منظمة الصحة العالمية، و المسؤولية في الواقع في حالات كهذه، لم تُرسل أي معدات فحص إلى إدلب. مكتبها المحلي في دمشق تحول عبر السنوات الماضية إلى مكتب خدمات لنظام الأسد ضاربين بمبدأ الحياد المُلزم عرض الحائط. أو كما قال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية في غازي عينتاب التركية في معرض إجابته على سؤال: لماذا لم تتلقى إدلب أي معدات فحص على الرغم من كل الوعود: ” شمال غرب سوريا ليس بلدا، و بكل الأحوال ليس مستقلا. و بحسب المنطق الخاص بمنظمة الصحة العالمية فإن دمشق مسؤولة عن الحماية الصحية لسكان إدلب. لكن النظام يريد حتى الآن قتلهم قبل كل شيء.
أول 900 أداة فحص تم شرائها من قبل منظمة إغاثة سورية خاصة. يتم نقل العينات الخاصة بالحالات المشتبه بها عبر الحدود إلى غازي عينتاب التركية و هناك يتم فحصها. حتى يوم الجمعة كان هناك 102 فحص كلها سلبية، حتى الآن.
علي محمد يود لو يشتري بمدخراته صابون. يحصل على الخبز لأفراد عائلته السبعة في مخيم سجو الضخم شمال حلب من منظمات إغاثية. و لكن القليل من الماء متوفر و من النادر وجود صابون.
“لو كان لدينا كهرباء و تلفزيون صغير قديم جدا، لكان بإمكاننا تعويد الأطفال على البقاء في الخيمة. و لكن هكذا؟ بالطبع يريدون اللعب في الخارج، و لكن على الأقل يجب أن يتمكنوا من غسل أيديهم.”
يعمل كأستاذ ديانة, أي أنه تربى في بيت متدين. و لكن فيما يتعلق بالكورونا لم يكن الله إلى جانبه. الدخل الوحيد الذي يحصل عليه محمد علي يأتي من عمله كإمام احتياطي في المساجد. و لكن حتى المساجد أُغلقت منذ أسبوعين.
اترك تعليقًا