مقال نشرته مجلة دير شبيغل عن الوضع في سوريا في شهر شباط عام 2005 تضمن بحسب كاتبة المقال اعترافا صريحا من وزير دفاع النظام السوري مصطفى طلاس بتوقيعه على قرارت اعدام بحق معارضين للنظام في الثمانينات.
جدول ضرب الديكتاتورية
من وجهة نظر الرئيس الامريكي فقد أسس آل الأسد نظاما قائما على الإجرام. أيضا يُظهر الرئيس الشاب القليل من الإرادة الإصلاحية. النافذون في النظام لا يتركون له مجالا.
ما زالت الساعة الواحدة ليلا و المساء مازال في أوله في ديسكو لاتيرنا في مركز دمشق. فاطمة حيدر ترتدي فستانا قصيرا للغاية و حتى بنص طول الجدائل التي تحملها على كتفيها. كانت تشرب مشروبا ازرقا تسميه تروبيكانا بشرّاقة. في المشروب الكثير من الفودكا و القليل من مشروب الكوراساو.
تبلغ فاطمة من العمر 23 عاما و هي طالبة فنون. كانت تهتز بجزمتها البيضاء بالتناغم مع أنغام عمر دياب التي قام ال دي جي بتشغيلها. عمر دياب هو بمثابة إله الجنس للشباب العرب. الكرة في وسط الديسكو كانت تضيء المكان و فاطمة كانت تجر مرافقها الى مكان الرقص.
الديسكو كان مليئا كما في كل مساء يوم خميس, في ليلة ما قبل يوم العطلة الاسلامية. بعد ليلتين يأتي المسيحيون الى هنا. و مرة أخرى يقوم حراس الديسكو و هما رجلان مؤدبان يرتديان البدلات, بإبعاد كل من لا يمتلك حجزا او من هو مشهور بما فيه الكفاية.
على بعد بضعة شوارع و في حي باب توما القديم يجلس رجل الدين المسيحي السوري الأرثوذوكسي مور ديونسيوس باهان جهجاوي على كرسيه القديم في كنيسته و يشد ردائه الأسود عليه. و على صدره معلق صليب ذهني كبير. عاد المطران للتو من لقاء لقادة مسيحيين و مسلمين من كل الشرق الأوسط. كانوا يتناقشون هنا في دمشق عن قضايا الحرب و السلام. دمشق التي تعتبر إحدى أكثر المدن ليبرالية و تنوعا في المنطقة. يقول جهجاوي: الأمور دائمة أخوية و حميمة بيننا.
تقع الكنائس الكاثوليكية هنا متلاصقة مع المساجد. مسلمون ك باسل العلاف و مسيحيون ك ابراهيم ثابت يتشاركون في أعمال تجارية معا. حيث يكون المسلم هو الحرفي الماهر و المسيحي التاجر. كلاهما يتشاركان في محل في المدينة القديمة خاص بأعمال الترصيع. يقول علاف: أدياننا مختلفة و لكن عقليتانا متماثلتان.
الجمهورية العربية السورية محكومة منذ عام 1963 من حزب البعث. دولة مسلحة بالكامل و تطارد المعارضين, هي دولة علمانية لا تتسامح مع التطرف الديني. في الواقع لم تتسامح في عهد الديكتاتور حافظ الأسد مع أي شيء. بعد انتقال السلطة لابنه بشار الاسد تبدو الأمور مختلفة قليلا. لا مكان في الشرق الأوسط باستثناء بيروت تبدو الحياة فيه متنوعة و متناقضة كما في دمشق.
يبدو أن المخابرات حصلت على أوامر بعدم ملاحقة الناس بوحشية و قسوة. صحون الساتلايت التي كانت ممنوعة قبل فترة قصيرة تزين أسطحة البيوت و واجهات المنازل. مقاهي الانترنت و أجهزة الموبايل تنتشر في كل زاوية. المتاجر تعرض تقريبا كل المنتوجات الغربية من نوتيلا و حتى نيفيا. في محلات الألبسة تُعرض أحدث الموديلات من كوكاي و حتى شتيفانيل.
فوق الاوتستراد الذي يعبر المدينة يضحك ديفيد بيكهام في لافتة اعلانية ضخمة. بالقرب منها اعلان ضخم لسلسلة جديدة من سيارات بي ام في.
هذه اذن الدولة المارقة التي تقف بحسب اتهامات خلف مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق و الملياردير رفيق الحريري الاسبوع الماضي في بيروت؟ الدولة التي أراد بعض الحالمون من المحافظين الجدد الامريكيين احتلالها كما فعلوا في العراق؟ النداء المصحوب بتحذير عاجل من واشنطن بان تتوقف عن دعم ارهابيي حزب الله المعادين لاسرائيل و بان تتخلى عن امتلاك اي اسلحة دمار شامل بشكل طوعي؟ الدولة التي عليها ان تتوقع عقوبات قاسية اذا ما لم تضبط حدودها مع العراق. عبر تلك الحدود يتدفق مقاتلون من كل انحاء العالم الى بغداد لينضموا الى المتمردين؟
او أنها دولة تعلمت من درس العراق حيث ترى حكومتها انها محاطة من كل جهة بحلفاء امريكا, الاردن, اسرائيل و تركيا؟ دكتاتوريون اخرون استسلموا مثل معمر القذافي الذي خضع. إيران تتفاوض حتى الان مع الأوربيين حول القنبلة. سوريا تبدو ضائعة قليلا هناك. و الأهم من ذلك يضغط الناس في سوريا من اجل الاصلاحات التي وعدهم بها رئيسهم ابن الدكتاتور السابق.
عندما استلم بشار الاسد الحكم في عام 2000 بعد الموت الفجائي لوالده ارتفعت الآمال في دمشق. في خطاب عاطفي رسم الحاكم الشاب البالغ حينها 34 عاما خطوطا عريضة لانفتاح البلد و وضع حد للقمع. قال حينها: أدعو كل السوريين أن يشاركوا بفعالية بهذه السياسة.
كلمات جميلة ذهبت مع الريح. جواب السؤال: لماذا بقيت سوريا في الجوهر دولة بوليسية تطارد معارضيها بلا رحمة, يمكن أن يعطيه شخص يفعل كل ما بوسعه حتى الان لتبقى السلطة في يد حفنة صغيرة. انه صديق مقرب من الحاكم القديم حافظ الاسد, أحد القلائل الذين كان يثق الاسد بهم طيلة حياته.
مصطفى طلاس رجل دولة بشارب ابيض قصير, يبلغ من العمر 72 عاما و لكن عينيه ما تزالان يقظتان. الجنرال المتقاعد الذي يبدو بمظهر جد لطيف يستقبلنا في بيته في حي أبو رمانة و هو حي الأغنياء في قلب العاصمة دمشق. تتدلى من السقف ثريات مضيئة من الكريستال. تم تغطية الأرض تقريبا بشكل كامل بسجاد شرقي. على الجدران هناك صور زيتية للعائلة. خلف الأريكة لوحة مرسومة بالطباشير بأزهار حقل. صاحب اللوحة هو أدولف هتلر.
يرشف طلاس من كأس شاي مرصع بالذهب و يلقي بشجاعة الضوء على جدول الضرب الخاصة بالديكتاتورية: اذا أردت أن تبقى في الحكم عليك أن تخيف الآخرين, كما قال.
قبل تسعة أشهر كان طلاس وزير دفاع الجمهورية العربية السورية لمدة 32 عاما. وساهم بهذا في قمع كل احتجاج قام به الإسلاميون أو الديمقراطيون. المجزرة في حماة عام 1982 بحق المتعصبين الدينيين كانت أيضا من مسؤولية القومي العربي الكبير كما هو الحال ايضا بالنسبة لموجات الاعتقال بحق المعارضين اليساريين.
لا يعرف طلاس نفسه على كم حكم إعدام وقع بنفسه. لابد أنها كانت بالآلاف. يتحدث بصوت منخفض عندما يشرح لماذا كانت كل هذه الوحشية ضرورية. نعم كل هؤلاء الذين أعدموا, كانوا أحيانا حتى 150 شخصا في الأسبوع في الثمانينات و فقط في دمشق. لقد استولينا على السلطة بقوة السلاح, و نريد أن نحافظ عليها. من يريدها منا عليه أن يأخذها بالسلاح. يقول الجنرال بابتسامة خفيفة.
على بعد أقل من 20 كيلومترا يعيش رياض الترك في ظروف متواضعة. هو رجل عجوز قضى حياته كلها يواجه أشخاصا مثل طلاس.
المدافع عن الحقوق المدنية و الأمين العام للحزب الشيوعي السوري يعتبر أحد أكثر المثقفين في المعارضة. لاشيء فيه يوحي بالليونة أبدا, يبدو ألا شيء يوثر به. مكتبه الذي يعيش به مفروش بكراسٍ قديمة و طاولة و سرير حديدي. الترك نذر كل حياته للسياسية أيضا و لكن ليس في حزب البعث و انما عبر طريق آخر.
ناضل ضد الانقلابيين حتى قبل وصول حافظ الاسد الى السلطة. و بعدها استمر ل 30 عاما يناضل ضد نظامهم المستبد من أجل انتخابات حرة, عدالة مستقلة و حق التعبير و التجمع. ناضل بعناد و لكن بسلمية. في دمشق يسميه الكثيرون نيلسون مانديلا سوريا.
سُجن الترك لما يزيد عن 18 عام. 17 عاما منها في سجن انفرادي في قبو سجن للمخابرات في زنزانة صغيرة مساحتها مترين بمترين. 17 عاما بالكاد رآى فيها الشمس. 17 عاما من دون دعوى أو محاكمة بأوامر شخصية من الرئيس حافظ الأسد بعلم و موافقة وزير الدفاع مصطفى طلاس.
الجنرال و الشيوعي بعيدان كل البعد عن بعضهما كأي سوريين و بنفس الوقت قريبان من بعضهما كأي اثنين من جيلهما. الترك و طلاس كانا زميلي دراسة. معا كانا يرتدان مدرسة الهاشمية في حمص, 150 كيلومترا عن دمشق. يتذكر طلاس عن الترك: كان دائما شيوعيا عنيدا و متعصبا لكنه كان دائما شخصا مستقيما. و على الجانب الآخر يستعيد الترك ذكرياته كما لو كانت البارحة: طلاس كان يريد ان يكون قائدا في المظاهرات. كل ما وصل اليه حينها وصل اليه بالقمع و القوة.
بعد عامين من اطلاق سراح الترك في عام 2000 بدأ ربيع دمشق كما كان كل السوريين يسمونه في الأيام الأولى لحكم الأسد الشاب. بدأ الترك أيضا يلقي كلمات في العلن. وصف كيف استأثر الأسد بالسلطة لنفسه و قمع الأحزاب الأخرى و داس بالأقدام على حقوق الإنسان و المواطن.
مجموعة من السياسيين و المحامين و الأطباء أسسوا طاولة مستديرة ناقشوا عليها عرائض عن الفساد في الاقتصاد و كتيبات عن أعضاء فاسدين في الحكومة. أحد كبار المنتفعين من منح رخصة تشغيل شبكة الموبايل بشكل سري كان على سبيل المثال ابن خالة الرئيس رامي مخلوف. و لكن الحديث و الكتابة عن مواضيع كهذه كان على ما يبدو أكثر مما يستطيع الحاكم الشاب و حراسه الاحتمال. قريبا سينتهي ربيع دمشق. في خريف عام 2001 اعتقل الترك و تسعة مناضلين حقوقيين آخرين. اتهم المدعي العام الاشخاص العشرة بنشر أخبار كاذبة و بالدعوة لمظاهرات مسلحة. حُكم عليهم بالسجن بين عامين الى عشرة اعوام.
أُطلق سراح الترك مجددا بعد ضغوط من الرئيس الفرنسي جاك شيراك. مازال ستة من أقرانه يقبعون في السجن. يقول الترك: لقد خدعنا بشار الأسد. طالما بقي في السلطة لن تكون هناك حرية.
الاحتجاج على نظام لم يتغير في جوهره مستمر. المقاومة تجتمع مرة في الشهر بشكل دوري في حي دمّر في منزل ابنة الصناعي سهير أتاسي البالغة من العمر33 عاما.
مثقفون, محامون المدافعون عن حقوق الانسان, صحفيون, طلاب و نساء بحجاب او من دون حجاب يتدافعون إلى المنزل. يستمعون الى محاضرة لياسين الحاج صالح, الذي قضى هو نفسه أعواما في السجن. هو طبيب تمكن بسبب سنوات سجنه الطويلة فقط قبل 4 أعوام من اتمام دراسته. لهذا كان يعلم بالوضع في الجامعة و شجب الاعتقالات التعسفية بحق الطلاب.
المضيفة سهير الاتاسي هي شخص لطيف, ترتدي الجينز الضيق و قميصا اسودا بياقة عالية. تضع مكياجا بشكل متحفظ. تعلم ان بيتها لن يُزار فقط من أصدقاء. حوالي 40 شخصا من ال 300 مدعو هم من جهاز أمن الدولة, كما تخمّن. مع ذلك علينا أن نفعلها و الا لن يتغير شيء هنا, تقول و هي تصب القهوة في فنجان صغير جدا.
النقاش محموم و يمتد الى آخر الليل. يتعلق الامر بجهاز الامن المسمى الأمن الطلابي الذي يتجسس على الطلاب المسيسين. الامر يتعلق بالحرية.
في آخر خمس سنوات تجمعت كتلة من السياسيين بحيث أن الحكومة باتت عاجزة عن انكار وجودهم. كانوا دائما يصبحون أقوى و أكثر وضوحا. الاستياء يصبح ظاهرا اكثر. في هذه الأثناء أغلقت كل المنتديات ماعدا صالون الأتاسي.
هل هذه هي الحرية الموعودة؟ يهز المازح العجوز مصطفى طلاس كتفيه قائلا: لا تثق بأي سياسي, انهم يكذبون على الجميع, عليهم أن يكذبوا و الا لن يبقوا في السلطة. ماذا كان اذا جرم زميل دراسته رياض الترك؟ يهز الجنرال برأسه. كان يجب من البداية قمع المقاومة. الاستئصال هو الجواب الوحيد, يقول و هو يبتسم ابتسامة الجد. نحن أيضا بدأنا هكذا.
الجيل اللاحق يتابع ما بدأه الجنرال. هذا الجيل يتكلم فقط عن تحولات اقتصادية و يحاول ان يجمد العملية السياسية.
يقول عبد الله الدردري ذو ال 41 عاما: نريد تنافسا و شفافية. هو السلاح الجديد السحري للرئيس, رئيس ما يسمى لجنة التخطيط. عليه أن يطور اصلاحات في الاقتصاد و ينفذها. درس الدردري في اوربا و عمل مع الامم المتحدة. يتكلم الانكليزية بامتياز و يرتدي بدلات أنيقة. كنوع من الوزير فائق الصلاحيات عليه أن يقود عملية تحول الاقتصاد الاشتراكي المركزي الى اقتصاد السوق, الذي ينبغي ان يتغلب على بطالة تبلغ 30 بالمئة و يجذب المستثمرين الدوليين الى البلد. و من أجل هذا حصل الصحفي و الخبير الاقتصادي على صلاحيات مفتوحة من اعلى سلطة.
و لكن حتى الدردري و هو واجهة النظام امام الغرب يتحدث بخجل عن الجدل حول عملية دمقرطة البلد. لا يريد أن يُدخل نفسه في حرب مصغرة بين الحرس القديم و المجددين في حزب البعث الاشتراكي. هو ينظر لنفسه ليس كسياسي ولكن ك تكنوقراط. و هكذا يستعرض نيابة عن الرئيس الانفتاح على العالم و التفاؤل. يقول: خلال خمس سنوات ستمتلك سوريا اقتصادا شعبيا حيويا بتجارة حرة و ادارة أكثر فعالية.
بالطبع يعلم ثعلب عجوز كطلاس أن انفتاح البلد في أوقات العولمة من دون بدائل تعني اصلاحا حقيقيا قد يقود الى انهيار اقتصاد البلد المنهك. و لكن طلاس يقول: حتى لو حصلت اصلاحات يجب انو تنفذ بحرص و بشكل مراقب. و أن تنفذ من قبل من يحكمون البلد.
لهذا ما زالت القاعدة التالية سارية حتى بعد تحويل ديناصورات من الحرس القديم الى التقاعد: من يريد ان يختبر حدود الحرية الجديدة تحت حكم بشار الاسد سواء أكان صحفيا او سياسيا او اقتصاديا, فعليه أن يتعامل مع أساليب أصحاب السلطة القدامى.
أصحاب الشركات الخاصة في حال نجحوا في أعمالهم فيتم اختراقهم من قبل المافيا الحاكمة و الا فسيجبرون على ترك أعمالهم. الصفقات المهمة تتم بطريقة المحسوبية القديمة. عائلات معدودة تقتسم الكعكة فيما بينها. ابن خالة الرئيس يمتلك بحسب ما نسمعه في شوارع دمشق بالاضافة لحصص في شركتي تشغيل الموبايل و امتياز تشغيل المنطقة الحرة ايضا حصصا في فنادق و مطاعم. أبناء نائب الرئيس عبد الحليم خدام و وزير الدفاع الأسبق طلاس يسيطرون على قطاع الاعلام و أجزاء واسعة من التجارة.
الكثير من ضباط الجيش أصبحوا عبر أعوام طويلة أغنياء بشكل غير منضبط لان الجيش يسيطر على الطريق الرئيسي الى لبنان. سيارات فارهة و بضائع حديثة تفرض الدولة الاشتراكية عليها جمارك تصل ل 250 بالمئة تدخل البلد بهذه الطريقة بلا ضرائب اضافية. و يتم بيعها في السر.
انها عصابة. يقول الطبيب العام كمال اللبواني ذو ال 46 عاما الذي هو نفسه يملك سيارة بريطانية من نوع فوكسهول موديل 1963. قبل 4 أعوام شارك اللبواني في ندوة حول الديمقراطية ضمن ربيع دمشق و حكم عليه بالسجن من قبل محكمة عسكرية لمدة 3 سنوات.
هل فشل الرئيس الشاب, الذي أصبح فجأة رئيسا, في محاولته تحديث سوريا؟ ربما كان بشار الاسد جادا حين وعد ببداية جديدة. و لكنه أساء بالتأكيد تقدير استعصاء القوى التي صنعها والده في حكم دام 30 عاما وهي الجيش صاحب النفوذ الكبير و أجهزة المخابرات الأربعة واسعة النفوذ التي تربط المصالح الساسية و الاقتصادية مع بعضها البعض على التغيير.
بنفس الوقت فالمعارضة اليوم ضعيفة جدا, لكي تستطيع تحريك أغلب السوريين. هناك فقط قلائل يرفعون أصواتهم كالطبيب كمال اللبواني او ياسين الحج صالح في منتدى الأتاسي او رياض الترك. جيل كامل من النشطاء السياسيين, الذين يبلغون اليوم من العمر ما بين ال 30 و ال 40 عددهم قليل, محاصرون, منهكون عبر سنوات من السجن او مقتولون.
هل سينفع اذا فقط الضغط الخارجي؟ بالنسبة للامريكيين فكل ما يهمهم الان هو السيطرة على الحدود مع العراق و تبادل المعلومات الاستخبارية عن جماعات مسلحة كحزب الله. طالما يسلم السوريون معلومات كهذه, فهم لن يكونوا هدفا لحرب يشنها الرئيس بوش.
مصطفى طلاس رجل السلطة ذو الابتسامة اللطيفة يجلس في غرفته تحت لوحتي هتلر اللتان اشتراهما قبل سنوات كثيرة في مزاد علني في انكلترا. يتذكر انه هو نفسه توجب عليه دفع ثمن السلام في البلد. يقول: أعاني من كوابيس قاسية. لقد كان الامر مريعا, لقد رأيت كل أصدقائي السابقين مسجونين. و لكن كان يجب علينا أن نفعل ما فعلنا, لم يكن هناك خيار. لقد أسسنا للاستقرار, 34 عاما من دون انقلاب.
و لكن ماذا عن الضحايا؟ مثلا كزميل دراسته الترك؟ يرفع طلاس يديه الى السماء قائلا: كان عليه فقط أن يكتب رسالة واحدة, اعتذار الى الرئيس, كان سيُطلق سراحه على الفور.
لم يكتب الترك قط رسالة كهذه. بعد أن خرج من السحن بعد كل هذه السنين, أرسل له صديق المدرسة القديم طلاس جبلا من الحلويات الى البيت مع تحية قلبية. الترك رفض كلا الهديتين.
يقول طلاس: قولي له انني احبه فعلا.
يقول الترك: أنا أحتقره.
يمكن الاطلاع على المصدر هنا
اترك تعليقًا