الدولة المعروفة باسم سوريا لم تعد موجودة

النتيجة التي توصل لها صحفي من الـ ” فورين بوليسي ” بعد عشرة أيام مع مسؤليين سوريين في محاولته لمعرفة الحاكم الحقيقي في سوريا

18620842_1638541829519768_9166227424168368578_o

دمشق، سوريا في ليلتي الأخيرة في دمشق، قرر بعض الأعضاء الأصغر سناً من الوفد الذي ترعاه وزارة الإعلام والذي كنت أشارك فيه أن يخرجوا لأجل مشروب. كان ذلك في أواخر نيسان، وكانت الحانات والمطاعم بوضع مزدهر خلال تلك الأمسيات الباردة .

دخل صحافي روسي مصحوب برفقة جندي روسي يرتدي الزي الرسمي إلى البار المقابل لفندقنا في دمشق القديمة حيث كان زملائي يجلسون. تم تبادلوا الكلمات. وبدأت المشادة.

وفي مرحلة معينة، أخرج الصحفي الروسي مسدساً ووجهه إلى جبهة أحد المشاركين في الوفد. ثم دخل فندقنا وهدد أحد الموظفين هناك، وكل هذا حصل وزميله بالزي الرسمي يرافقه بصمت.

الطريقة التي انتهى فيها الحادث تخبر الكثير عن من هو حقا يمتلك السلطة في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا اليوم.

بعد رحيل الروس، سعى المشاركون في الوفد إلى الاتصال بالسلطات والإبلاغ عن الحادث.

سأل ممثل قوات الأمن السورية عما إذا كان المسلحون روسيين. وعندما أ جبناهم إنهم كانوا روسيين ردوا علينا أنه لا يوجد شيء يمكن للسلطات السورية أن تفعله

بعد ست سنوات من الحرب السورية، بقاء نظام الرئيس بشار الأسد أصبح مؤكد ولكن ذلك كله عبارة عن واجهة تفتقر إلى استراتيجية لإعادة توحيد البلاد.
المصالح المتباينة في بعض الأحيان لروسيا وإيران من جهة، والمخاوف المحلية لعدد لا يحصى من الميليشيات غير النظامية الموالية للنظام من جهة ثانية، هي العوامل الحاسمة الحقيقية وليس قرارات الحكام الاسميين للبلاد. وهذا يؤثر على حسابات “النظام” في الحرب، في تحديد استراتيجيته في الصراع.

مجرد إلقاء نظرة على كيفية تطور الحرب منذ أواخر العام الماضي، تبدو الأمور وكأنها تسير على ما يرام بالنسبة للنظام. قد تم طرد المعارضين من مناطقهم الأخيرة في مدينة حلب الشرقية، اعتقد البعض أنه يمهد الطريق لهزيمة الثورة في نهاية المطاف. ولكن بعد خمسة أشهر في حين أن الاتجاه العام للحرب لا يزال ضد المعارضة، لكنهم لا يزالوا بعيدين عن الانهيار : محافظة ادلب، مناطق اللاذقية، حماة، شمال حلب، ومناطق واسعة من الجنوب لا تزال في أيديهم .

وقد تلقى المعارضون فى الجنوب دفعة هذا الاسبوع عندما استهدفت الغارة الجوية لقوات التحالف قوات موالية لاسد تتقدم على قاعدة تستخدمها القوات الخاصة الامريكية والبريطانية. إذا كانت الولايات المتحدة وشركاؤها على استعداد لاستخدام القوة للدفاع عن الجماعات المتحالفة في المنطقة، فمن الصعب تصور كيف يمكن للنظام أن يأمل في إعادة حكمه هناك.

وعلاوة على ذلك، تتم محاربة الدولة الإسلامية من قبل قوة قوية تدعمها الولايات المتحدة، بقيادة كردية تدعى القوات الديمقراطية السورية. وستشرع هذه القوة قريبا في غزو الرقة، وهي المدينة الأخيرة المتبقية في سوريا التي تسيطر عليها بالكامل الدولة الإسلامية.

وبعبارة أخرى، فإن الشائعات عن وفاة الثورة أمر مبالغ فيها إلى حد كبير. يبدو أن بعض أجزاءها المكونة تمتلك قوة وقوة كبيرة.

هل لدى نظام الأسد استراتيجية لإعادة توحيد البلاد أم أن تجزئة سوريا أصبحت الآن حقيقة لا مفر منها؟

في ١٠ أيام من اللقائات مع مسؤولين من المستوى المتوسط وكبار المسؤولين في نظام الأسد في سوريا، سعيت بشكل شخصي للإجابة على هذا السؤال. ما وجدته هو وجود فجوة كبيرة بين نوايا النظام وقدراته العملية لتحقيق هذه الرغبات.

ويشكل وزير شؤون المصالحة علي حيدر، وهو مسؤول ذو خبرة جيدة، مسؤولا محوريا في محاولات الحكومة زيادة الأراضي الواقعة تحت سيطرتها عن طريق ” المصالحة ” وهي العملية التي يقدم النظام وحلفاؤه للمعارضين ومؤيديهم ممر آمن إلى إدلب أو جرابلس التي يسيطر عليها الثوار، مقابل التنازل عن المنطقة المحاصرة لصالح القوات الحكومية. في بعض المناطق، قد يبقى المتمردون ومؤيدوهم، طالما أنهم يقبلون سلطة النظام. وقد شهد اتفاق ” المصالحة ” الأخير نقل معارضين ومؤيديهم من مدينتي الزبداني ومضايا في ضواحي دمشق الغربية إلى إدلب

ويقول حيدر إن وزارة شؤون المصالحة يمكن أن تقود ” حل سياسي شامل ” للنزاع السوري. وقال حيدر لوفدنا، إن أكثر من ١٠٠ بلدة وقرية ” حققت المصالحة “، وقد استفاد ٣ ملايين سوري من عملية المصالحة، أي ٤٠ في المئة من السوريين المتضررين من الحرب”.
يبدو أن استراتيجية النظام هي استخدام هذه التسويات التدريجية حتى في نهاية المطاف تموت الثورة وصولاً الى لا شيء.

إذا كانت هذه هي الخطة، يبدو أنها في حالة متقدمة من التنفيذ. إن سوريا، بعد كل شيء، تنقسم اليوم إلى ما لا يقل عن سبعة جيوب: الأراضي التي يسيطر عليها النظام، وثلاثة مناطق منفصلة المعارضة، وكانتونتين كرديتين، ومنطقة الدولة الإسلامية.

ما هي استراتيجية الحكومة لعكس هذا التجزؤ، حين سألت المسؤلين السوريين كان الرد ” لدينا ايمان تام بان هذا الوضع مؤقت والسبب الرئيسي لهذا الإيمان هو أن الشعب السوري يبدأ في فهم المؤامرة ضدهم ”

وبعبارة أخرى، لا توجد استراتيجية على الإطلاق. أيضاً لا يوجد دليل على وجود خطة شاملة لتقسيم سوريا حيث لا تدعم أي من القوى الرئيسية في البلاد تفكك البلد. لكن تقسيم سوريا بحكم الأمر الواقع هو نتيجة لعدم قدرة أي قوة على أن القضاء على الآخرين، وليس هدف لأي من الأطراف المتحاربة

في محادثة خاصة مع مسؤولين سوريين يفضلون عدم الكشف عن اسمهم وجدت إجابات أكثر صراحة. قال أحد الضباط الذين يخدمون في القوات المسلحة السورية، وهو ينفخ على سيجار كبير في مكتبه، إن ” أي قرار بإنهاء الحرب لا يمكن أن يأتي دون موافقة سوريا الرسمية ” أي النظام.

هذا الرد المدروس يرسم الوضع الفعلي جيداَ حيث أن الكثير من قواته بدأت تؤمن بأ ن الحل أصبح خارجياً .

سألت أحد مسؤولي وزارة الإعلام عن مستقبل شرق سوريا، نظرا للقوة المتزايدة لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة فى المنطقة. وقد لخص رده الواقع الكامن وراء الموقف الحالي للنظام: ” نحن لا نعلم “.

والسبب في افتقار النظام إلى المعرفة هو أن القرارات التي يتخذها الأسد وحوله لن تكون العامل الحاسم في تحديد مستقبل سوريا. وكما أظهر القتال في شرق حلب، فإن الجانب الحكومي لا يحقق تقدما حقيقيا إلا عندما يلتزم الروس بكفالة انتصاره. لذا فإن السؤال الحاسم هو النوايا الروسية، وليس السورية،
ربما حققت موسكو بالفعل معظم ما جائت إلى سوريا لتحقيقه. وقد ضمنت سلامة قواعدها في محافظة اللاذقية وبقاء حلفائها من النظام، وأثبتت فعالية الأسلحة الروسية، وضمنت أنه لا يمكن أن تكون هناك عملية دبلوماسية لتسوية الحرب دون تدخل موسكو.

هذه إنجازات هامة للروس. ولكن أاي لتزام روسي آخر بإنهاء المعارضة يمكن أن يؤدي إلى وضع غير سار تجد فيه روسيا والتي تعاني من ضائقة مالية نفسها صاحبة المسؤولية عن إعادة إعمار سوريا المدمرة على أساس ” ، روسيا دمرت. روسيا يجب أن يعيد البناء ”

يبدو أن الدبلوماسية الناشئة من محادثات السلام الجارية في أستانا، كازاخستان، تشير إلى أن موسكو تهدف إلى تجميد الصراع السوري بشكل أو بآخر، تليها عملية سياسية مستمرة. ويبدو أن تشكيل “مناطق تخفيض التصعيد” الأربعة هو فسح المجال للمعارضة للسيطرة على مساحات واسعة من البلاد، في حين أن الهجوم القادم على الرقة من جانب قوات سوريا الديمقراطية والتزام الولايات المتحدة المتزايد يثير إمكانية قيام كانتون تابع للولايات المتحدة في شرق الفرات.

ومع تحول النظام والمعارضين بشكل فعلي إلى وضع ” وكلاء ” وعدم رغبة كبيرة من جانب الرعاة في الالتزام بالانتصار المطلق لوكلائهم، فإن الدبلوماسية في الحرب السورية يجب أن تتحول على الأرجح نحو ترتيبات تعترف بتقسيم البلاد. وستبنى هذه الترتيبات بشكل أو بآخر حول الوضع القائم الناتج بعد تدمير الدولة الإسلامية في شرق سوريا. أي أن سوريا سوف تنقسم بين جيب النظام في الغرب والمتمردين العرب السنة في الشمال الغربي والجنوب الغربي، و منطقة تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية الشمال الشرقي

ومع استمرار هذه العملية، فإن الروس سيواصلون العمل كما يحلو لهم ليلاً ونهاراً في دمشق، أما الفجوة بين الخطاب الرسمي السوري والواقع ستبقى واسعة كما هي في أي وقت مضى، والمعارضين والأكراد سوف يستمرون في التنسيق مع الداعمين الخاصين بهم.

في الوقت نفسه، فإن الحقيقة الصارخة ستبقى : أن الدولة المعروفة باسم سوريا قد توقفت بالفعل عن الوجود.

أضف تعليق

موقع ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑