الكاتب السوري خالد خليفة: عندما يتملكك الخوف عليك أن تغادر

الكاتب السوري خالد خليفة ينتقد النظام ولكنه يرفض الهجرة حتى اليوم. كيف يعيش المرء مع القمع والترهيب كمرافق دائم؟ ولماذا لا يزال يملك أملاً حتى اليوم؟ 

مقابلة أجرتها مونيكا بوليغر

الكاتب السوري خالد خليفة هو منتقد معروف للنظام. إنتاجه الأدبي ممنوع في سوريا. مع هذا لم يغادر إلى المنفى أبداً. حاليا يقيم مؤقتاً لمدة ستة أشهر في سويسرا مدعوا من البيت الثقافي في زيورخ. يتحدث مع مجلة شبيغل عن الكتابة في ظل الديكتاتورية وظروف الحياة اليومية في وطن ابتُلي بالحرب. ينتقد النظام والمعارضة أيضاً.

شبيغل: كيف هو حال الكتابة في سويسرا؟

خليفة: لا أستطيع العمل في المنزل. في سوريا أصبحت الكتابة لهذا صعبة. بعض البلدات مغلقة أو يستغرق الطريق إليها وقتا طويلا بسبب الحواجز أو أنها مليئة بعناصر الأمن والمخابرات. في زيورخ هناك مكان جميل وهادئ للكتابة في البيت الثقافي وفي المنزل أرسم. في الرسم أجد نوعا من السلام الروحي. الرسم يملأ الفراغ الذي تركه أصدقائي الذين هاجروا خلال الحرب خلفهم.   

شبيغل: ولكنك ترفض الهجرة. الكل يسألك لماذا تبقى في سوريا وفي كل مرة تعطي إجابة مختلفة.

خليفة: نعم هذا ما أفعله (يضحك)، لا أعلم أيضاً لماذا.

شبيغل: يتطلب الأمر شجاعة لكتابة كتب كهذه ثم البقاء في البلد. هل أنت إنسان شجاع؟

خليفة: نعم أنا كذلك. ولكنني لست بشجاعة الشبان الذين أشعلوا ثورة عام 2011. بالنسبة لي القصة قديمة. عائلتي كانت ضد النظام. لا يمكن للمرء أن يكون كاتباً ومؤيداً للنظام وتحديداً هذا النظام. ولكن الشبان الذين واجهوا الرصاص هم أشجع بألف مرة مني. وأنا لست المعارض الوحيد الذي بقي في سوريا. في النهاية لا يمكن للنظام قتل الجميع.

شبيغل: ولكن النظام لا يعامل الجميع بالتساوي أليس كذلك؟

خليفة: هناك أشخاص يسمحون لهم بالكلام وآخرون يقتلونهم. هم يفرقون الناس. كنت أقول رأيي دائما، ربما الآن بشكل أقوى لأن الأمر أصبح دمويا للغاية. ولكنني في الواقع لست سياسياً. لو كنت أنوي تأسيس مشروع سياسي لكانوا أقدموا على قتلي فورا. لقد قاموا بكسر يدي قبل وقت ليس ببعيد في جنازة صديق. كان يمكن أن يصيبوني في الرأس لولا أنني حميته بيدي. كان يمكن أن أموت.

شبيغل: ألا تخاف؟

خليفة: عندما يتمتلك الخوف أحدنا فعليه أن يغادر. هذا لا يعني أنني لا أخاف ولكن الخوف لا يسيطر علي. الخوف هو جزء من الحياة اليومية كالبحث عن بنزين والتسوق والعناية بالعائلة. الخوف هو جزء من هذه الحياة اليومية بالإضافة لفقدان الثقة بحيث أن المرء لا يصدق شيئاً. هذا هو الثمن الذي أدفعه حتى أبقى في سوريا. يمكنهم أن يقتلوني في أي لحظة وسأكون هدفاً سهلاً فأنا أذهب كل ليلة وحيداً إلى المنزل. أنا أعيش وحيداً. يمكنهم دفني حتى من دون أن يلاحظ أحد شيئاً.

شبيغل: كيف يمكن للمرء تخيل الحياة اليومية في سوريا اليوم؟

خليفة: لم يعد الأمر قابلا للتحمل. في الأسبوع الماضي توفي طفل في مدينة طرطوس الساحلية بسبب الجوع. والآتي سيكون أسوأ. 95 بالمئة من الناس لم يعد لديهم دخل. يعيشون من الأموال التي يرسلها أقاربهم من خارج البلاد أو من المعونات الإنسانية. المحروقات تحولت لسلعة كمالية. بالكاد توجد كهرباء. قبل وقت قصير كنت في المشفى وكان علي أن أجلب السيروم الخاص بي معي. لم يكن لديهم حتى ورق لكتابة وصفات طبية. كل الأطباء يتعلمون الألمانية لأنهم يريدون الهجرة إلى ألمانيا. الوضع أسوأ منه عندما كانت الحرب في أوجها. حينها كان الناس يمتلكون بعض المال وكان هناك إنتاج. اليوم أُغلقت كل المعامل. النظام لا يدع أحدا يعمل.

شبيغل: لم لا؟

خليفة: إنهم يمتصون كل شيء. وكأنهم يرديدون دفع الناس للهجرة حتى يتخلصوا من مسؤولياتهم تجاههم. بالنسبة لهم فهالدولة هي المكان الذي ينبغي عليك فيه النهب، حتى اليوم وفي ظل الإمكانيات الضئيلة. في السابق ربما كانوا يستحوذون على الربع ويتركون الباقي، اليوم يأخذون كل شيء.

شبيغل: ثم حصلت كارثة الزلزال أيضاً.

خليفة: كان أمراً صعب التحمل. لقد وصلت للتو إلى سويسرا وتساءلت: لم أنا هنا؟ كل أقربائي وأصدقائي كانوا في المنطقة المنكوبة. كان علي متابعة مايجري عبر وسائل الإعلام أو الواتساب. لقد تخلى العالم تماما عن سوريا. بعد أيام من الزلزال لم يقدم أحد مساعدة. ولم يتحمل أحد المسؤولية، مثلا لم يقدم أحد في منظمات الأمم المتحدة استقالته. آلاف البشر كان يمكن إنقاذهم ولكنهم لا يكترثون. وكأن الزلزال ضرب مكاناُ سرياً.

شبيغل: إنتاجك الأدبي ممنوع في سوريا. هل يقرأ الناس كتبك على الرغم من ذلك؟

خليفة: الناس لا يحبون أن أقولها بهذا الشكل، ولكن الأمر كما مع الحشيش. إنه ممنوع ولكنه موجود. ليس من الصعب تهريب الكتب من بيروت. المشكلة أن معظم الناس لم تعد لديهم القدرة على شراء الكتب.

شبيغل: ما هو موضوع كتابك المقبل؟

خليفة: يتعلق الموضوع مجددا بسوريا في الثمانينات. إنه الموضوع الرئيسي لعملي، الحياة في ظل نظام دكتاتوري. يتعلق الأمر بالخوف والفشل والقمع وأحلام وأمكنة مدمرة.

شبيغل: في الثمانينيات قمع النظام السوري انتفاضة تحت حكم حافظ الأسد والد بشار. انتهى الأمر بقصف مدينة حماة ومقتل 30 ألف شخص بحسب تقديرات. حينها وطّدت عائلة الأسد حكمها المرعب. هل هناك شي مشترك بين ماحدث حينها وانتفاضة عام 2011؟

خليفة: أعتقد أن هناك استمرارية. النظام لم يتغير. لو أردنا تصور ما جرى فيبدو الأمر كما لو أن النظام كان لا يزال في نفس المكان الذي عشعش فيه عام 1971. لم يفتح النافذة ولو لمرة واحدة ولهذه فالهواء حتى اليوم فاسد. النظام غير قادر على التجديد. لو ابتعد بمقدار حجر عن هذا المكان فسوف ينهار كل شيء. ولكن السوريين فتحوا النوافذ والأبواب اليوم بأصوات عالية. أسرارهم أصبحت علنية، النظيف منها والقذر.

شبيغل: في عام 2011 كان هناك تضامن كبير ولكن بنفس الوقت عادى الناس بعضهم وانتشر الحقد بين المجموعات الدينية، لماذا؟

خليفة: خلال العقود الماضية حصل تدمير للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. ماذا سيحصل للناس إذا مُنعوا من الكلام لأربعين عاما؟ يحتاجون وقتاً إذا أرادوا فتح النوافذ، يتطلب الأمر وقتاً حتى يخرج الهوء الفاسد. اليوم السوريين أصبحوا في موقع أفضل في النقاش. أصبحوا واقعيين ومنطقيين وأكثر توحداً.

شبيغل: ولكن النظام لا يزال موجودا.

خليفة: الثورة المضادة انتصرت في كل بلدان الربيع العربي. ولكن هذا مؤقت. الأنظمة لا تستوعب كيف أصبحت مضحكة وبلا معنى. كما يقول كارل ماركس، التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة كمأساة ومرة كمهزلة. نحن الأن وصلنا لمرحلة المهزلة. ما أسسته الثورة على الرغم من هزيمتها يبقى. لقد تم وضع البذار ولا عودة لما قبل عام 2011.

شبيغل: أنت ضد النظام على الدوام، هل لديك موقف من المعارضة؟

خليفة: لقد تم بيعها. إنها تشبه النظام. إنه أناس يحصلون على المال ويعملون لأجل مصالحهم الخاصة ومصالح مموليهم. هذه المعارضة لا تمثلني ولا تمثل مشروعي ولا مشروع الناس الذين أرادوا الثورة. بالطبع هناك أناس رائعون من بينهم ولكنهم عاجزون عن تحقيق أي شيء. وأنا ضد أن يحول المرء نفسه لمرتزق. الثورة السورية كانت قادرة على تغيير المنطقة بأكملها. ولهذا منع العالم حصول ذلك. ماحصل قبل فترة في جنديرس….

شبيغل: مقاتلون من المعارضة مدعومين من تركيا قاموا هناك بقتل أربعة مدنيين لأنهم احتفلوا بعيد النوروز وهو عيد رأس السنة الكردي والفارسي

خليفة: نعم، فقط لأنهم احتفلوا بالنوروز. هذا يظهر تماما أن هؤلاء الناس هم الوجه الآخر للنظام. يا لها من مصيبة.

شبيغل: هل لا يزال لديك أمل حول الوضع في سوريا؟

خليفة: لدي أمل أن تنهض سوريا مجددا. إنه ليش مشروعاً مبالغاً فيه. سوريا بالنسبة لي أفضل بلد بالعالم. لدينا بحر وغابات وصحراء. لدينا طماطم وقمح وبرغل وزيتون. لدينا أناس موهوبون يملكون أفكاراً ولكنهم سُجنوا ل 15 عاماً فقط لأنهم قالوا لا. لأنهم أرادوا الديمقراطية. لا نريد هنا اختراع الصواريخ ولكن نريد الحياة بسلام وحرية. أحلم أن أتمكن من شراء كتبي في بلدي من مكتبة وأن أتمكن من توقيعها للقرّاء بنفسي. حلمنا بسيط للغاية.

المصدر

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: