لعبة روليت روسية

شكوك حول أول لقاح ضد الكورونا

أعلنت روسيا عن ترخيص أول لقاح ضد فيروس سارس-كوفيد-2 وأثارت بهذا ضجة كبيرة. ولكن الإعلان الروسي هو عبارة عن خدعة، وعلاوة على هذا إنها مخاطرة.

في الرابع من شهر تشرين الاول عام 1957 أطلق الاتحاد السوفييتي القمر الصناعي “سبوتنيك” كأول أمة تطلق قمرا صناعيا في مدار حول الأرض. جاء هذا قبل عام تقريبا من توقعات الخبراء الغربيين حينها. كانت النتيجة تعتبر بداية عصر السفر إلى الفضاء. كانت ثورة حينها.

و الآن بعد 60 عاما يدعي الروس أنهم حققوا شيئا مشابها. لقد أنجزت البلد سبوتنيك جديدا. ولكن بدلا عن السباق في الفضاء فإن سبوتنيك الجديد ينبغي أن يجعل روسيا تكسب سباقا من نوع جديد: البحث العالمي المحموم عن أول لقاح يحمي من فيروس سارس-كوفيد-2.

رخّصت روسيا لقاح “سبوتنيك 5” يوم الثلاثاء الماضي، كأول دولة تقوم بذلك وأبكر بستة أشهر مما توقع خبراء غربيون. المناورة يمكن أن تطلق ثورة في التعامل مع جائحة الكورونا. ولكنها استعراض للقوة بكل الأحوال.

البلد الذي ينجح في وضع لقاح الكورونا موضع الاستخدام الواسع سينجح في تخفيف إجراءات الحظر في الاقتصاد، المنشآت العامة وفي الحياة الخاصة. بالإضافة لذلك يمكنه إلغاء هذه الإجراءات بشكل كامل على المدى البعيد. ولكن الأمر بالنسبة لروسيا لايتعلق بهذه النقطة.

استعراض للقوة على حساب الصحة

خلافا للقمر الصناعي سبوتنيك فإن النصر في السباق على أول لقاح ضد الكورونا هو استعراض للقوة. فلو طبقت دول وشركات أخرى نفس معايير السلامة التي طبقتها روسيا عند ترخيص هذا اللقاح، لتمكن عدة منافسون الآن من ترخيص لقاحات ضد الكورونا. بعضهم وصل لمراحل في اختبار اللقاح تتفوق على ماوصلت روسيا إليه.

فلو وضعنا المعايير الدولية المعتمدة في الاعتبار، يمكن القول أن روسيا، وعلى عكس ادعاءاتها، لم تتوصل للقاح، على الأقل ليس لقاحا معترفا به دوليا. فالترخيص الروسي لا يلبي المعايير المعتمدة. هل كسبت روسيا حقا السباق حول اللقاح، هذا ما سنعرفه لاحقا. حتى الآن تم اختبار لقاح “سبوتنيك 5” على عدد قليل من الأشخاص. المرحلة الثالثة في الاختبار، التي تتم على عدة آلاف من المتطوعين، لم تحصل. ولكن مرحلة كهذه مهمة بشكل لايمكن الاستغناء عنه حتى يتم تقدير طريقة الاستخدام والمخاطر. ولكن روسيا تريد، على الرغم من هذا، البدء بهذه المرحلة لاحقا بعد الترخيص للقاح.

معلمون وأطباء يجب تلقيحهم قبل ذلك. ينبغي أن يتم إنتاج اللقاح وتوزيعه بين الشعب بكميات كبيرة في بداية عام 2021. هذه الفترة الزمنية تعتبر بشكل تقريبي مدة كافية ليتم منح تراخيص للقاحات أخرى. لربما تكون روسيا محظوظة حتى ذلك الوقت وتثبت فعالية و أمان لقاحها. عندها يمكن للمرء أن يقول أن هذه الدولة نفذت كل شيء بشكل صحيح. ولكن هذه الخطة قد تكون قاتلة.

مناورة خطيرة

هناك أسباب دفعت لوضع معايير دقيقة لفحص المستحضرات الطبية. هناك مواد يتم استعمالها فتدخل في الجسم البشري، فقط بهذه الطريقة يمكنها إحداث تأثير. ولكن حيث يحصل التأثير فهناك دائما خطر حصول مضاعفات جانبية. هذه المضاعفات الجانبية يجب معرفتها مسبقا حتى يمكن التخمين، اذا ما كان استعمال دواء يتسبب بمخاطر أم لا.

عملية التخمين هذه تسمح باتخاذ القرار، إذا ما كان من المسموح أخلاقيا، السماح بنشر مادة دوائية بين فئات الشعب بما يشمل بشرا يحملون أمراضا أو مسنين أو أطفالا. هذه العملية لاغني عنها فيما يتعلق بكل المستحضرات الطبية ولكن بشكل خاص فيما يتعلق بالمستحضرات التي ستسخدم على نطاق واسع. مستحضرات كهذه سيتبين تأثيرها لاحقا عندما تُكسب الجزء الأكبر من الشعب مناعة. ولهذا يتطلب الأمر ثقة في المواد المتوافرة. هذه الثقة هي معرضة للخطر عبر السلوك الروسي المدفوع بغايات سلطوية و عبر التنافس الدولي على طرح أول لقاح. تتصرف روسيا كسائق متهور يصرّ أن يتجاوز باقي السيارات عند منحن خطير.  

مبررات لأعداء اللقاح

السلوك الروسي يصب في مصلحة من يقودون منذ زمن حملة تشكيك ضد سلامة اللقاحات. أليس المثال الروسي دليلا على أن الحكومات والعلماء على استعداد للمجازفة بصحة الشعب؟ من يضمن الآن ألا تتم التضحية بأمن الشعب مقابل دعاية إعلامية للزعماء، الذين يسعون لإعادة انتخابهم؟

ولكن لحسن الحظ لا زال الباحثون حول العالم ملتزمين بالمعايير المعتمدة حتى بعد التباهي الروسي. النقد القادم من مؤسسات محلية ودولية كبير. دعت كل من منظمة الصحة العالمية، معهد باول ايرليش الالماني المسؤول عن منح تراخيص اللقاحات والحكومة الألمانية إلى توخي الحذر. كلهم يعون تماما أن أي خطأ في تحضير الشعب لتقبل اللقاح قد يكون لأضرار تمتد لسنين عديدة، أيضا فيما يخص أمراضا أخرى.  

ومع هذا فهناك فرصة أن تنجح المناورة الروسية. ربما هذه المرة فقط، من يعلم. ولكن المحاولة الثانية مع مستحضر دوائي لم يُختبر بشكل كاف قد تكون كارثية. فعندما تكون اعتبارات التنافس والظهور في سباق التطور الطبي أهم من المعايير العلمية الأساسية، فستكون حياة الإنسان هي الثمن.

المصدر

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: