لماذا فقد تهديد أنقرة باللاجئين السوريين تأثيره؟

 

مكتب المحافظ في محافظة ادرنة التركية الغربية اعلن في ال 17 من شهر آذار ان 147,132 مهاجرا عبروا الى داخل الاتحاد الاوربي من المحافظة منذ ال 28 من شهر شباط, عندما قالت أنقرة أنها لن توقف اللاجئين من العبور إلى أوربا. ربما بدا الإعلان و كأنه روتيني لو لم يكن إعلانًا ضمنيا بأن عملية قيام تركيا بإرسال اللاجئين إلى أوروبا عبر اليونان قد انتهى بشكل ضمني.

الرئيس رجب طيب إردوغان أكد في ال 29 من شباط ان العملية في طريقها للتنفيذ, قائلا: “قلنا منذ أشهر أننا سنُجبر على فتح البوابات اذا استمر الحال هكذا. لم يصدقونا. ماذا فعلنا البارحة؟ لقد فتحنا البوابات. عدد المهاجرين الذين عبروا الحدود وصل ل 18 ألف هذا الصباح. ”

و أضاف معبرا عن إصراره: “سنبقى البوابات مفتوحة في الفترة القادمة و هذا سيستمر”.

في صباح يوم ال 28 من شباط بدأت حافلات مجانية مستأجرة من منظمات غير معروفة بنقل مئات من اللاجئين من اسطنبول الى الحدود اليونانية. مشاهد من لاجئين يندفعون الى الحافلات التي اصطفت في جادة مقابل مديرية شرطة اسطنبول في مركز المدينة. هناك كان بث مباشر من عدة قنوات تلفزيونية كان قد تم اعلامها مسبقا بما سيحصل.

في المنطقة الحدودية قامت قوات الامن التركية باتخاذ اجراءات لتسهيل عبور المهاجرين الى اليونان فيما قامت نظيرتها اليونانية باتخاذ اجراءات مشددة لوقف التدفق. استمرت المواجهة لأيام.

و لكن لماذا يرقى تصريح محافظ ادرنة, الذي ادعى من خلاله في ال 17 من اذار ان اكثر من 147,000 لاجئ عبروا الحدود, الى مرتبة الاعتراف بان العملية وصلت عمليا الى نهايتها؟ للإجابة على هذا السؤال على المرء أن يعود إلى 1 آذار و يستعرض كيف توسعت الأزمة بعد ذلك.

في الاول من شهر آذار نشر وزير الداخلية التركي سليمات صويلو تغريدة كتب فيها “عدد المهاجرين ممن غادروا بلدنا عبر أدرنة وصل ل 100,577 صباح اليوم.” كانت هذه التغريدة الاولى من سلسلة تغريدات يومية, أراد صويلو من خلالها اعلام متابعيه عن اعداد المهاجرين ممن غادروا تركيا عبر أدرنة. عداد الوزيرأشار الى 130,469 يوم الثالث من آذار ثم 135,844 في اليوم التالي. نجاح صويلو في اعلان ارقام دقيقة بشكل يومي كان مؤشرا واصحا الى أن الفوضى على الحدود تم نشرها بعلم و تحت اشراف الدولة التركية.

آخر تغريدة للوزيرحول هذه القضية نشر فيها رقم 142,175 في السادس من آذار. و بأخذ الارقام اتي نشرها مكتب محافظ أدرنة في ال 17 من آذار بالاعتبار يتبين ان 5000 شخص فقط عبروا الى اليونان في فترة الأحد عشر يوما بعد السادس من آذار. الفرق البسيط يوحي أن التدفق المزعوم للمهاجرين الى اليونان تم إبطاؤه بشكل كبير أو تم ايقافه تماما.

من البداية جادلت اليونان في الحصلية التركية لاعداد المهاجرين الذين عبروا الحدود, مدعية ان الارقام مزورة بالكامل و مضللة. في الأول من آذار و بعد ساعات من اعلان صويلو عن رقم 100,577 اتهمت وزارة خارجية اليونان انقرة بنشر حملة من المعلومات المضللة. في تصريح لها عبر تويتر قالت الوزارة ان 10,000 شخص منعوا من دخول الاراضي اليونانية خلال ال 24 ساعة الماضية و أن 73 شخصا, لا علاقة لهم بمحافظة ادلب في سوريا حيث تصاعد القتال مؤخرا, تمكنوا من العبور بشكل غير شرعي و تم اعتقالهم.

و بالاعتماد على حقائق من الأرض فليس من الصعب الاستنتاج ان تركيا قامت منذ زمن بتحضيرات لعملية ارسال اللاجئين الى أوروبا عبر اليونان مع وضع خطط للطوارئ. حركة المهاجرين الى الحدود لم تكن لتصل الى هذه النسب لولا أن امكانيات دولة سُخّرت في التنظيم و التنسيق و الاتصالات. السلوك الصلب الذي تبناه الجانب اليوناني حالما ظهر اللاجئون على الحدود كان اشارة الى ان خططا قد وضعت لرد قوي لوقف تدفق محتمل للاجئين.

لم تؤخذ اليونان على حين غرة لأن إردوغان هدد مرارا بفتح البوابات. في خطاب له في ال 24 تشرين الاول قال: يخافون كلما قلت يمكن ان نفتح البوابات. لا تخافوا, البوابات ستفتح عندما يحين الوقت. دعونا نرى كيف ستسوعبون مئات الآلاف كما نفعل. لديكم المال و السلطة. تتصلون بنا عندما يعبر 100 شخص الى اليونان, و لكن لدينا 4 ملايين شخص هنا.

إذن ماذا كان العامل الأساسي الذي جعل من ال 28 من شباط اللحظة المناسبة بالنسبة لإردوغان لكي يفتح البوابات؟

هل كان خيبة أمل جديدة في علاقات تركيا مع الاتحاد الأوربي؟ لا, فالدافع لا علاقة له مباشرة بالعلاقات بين الاتحاد الأوربي و تركيا. قرر إردوغان فتح البوابات مباشرة بعد مقتل 36 جنديا تركيا في ال 27 من شباط في غارة روسية-سورية في ادلب. لهذا أطلقت أنقرة عملية اللاجئين في ال 28 من شباط هادفة لتهدئة الغضب الشعبي بسبب حصيلة القتلى في ادلب, وهي أسوأ حصيلة قتلى عانى منها الجيش التركي في هجوم واحد منذ حرب قبرص عام 1974, و لإلهاء الرأي العام و تغيير عناوين الأخبار.

الاسيتاء الشعبي كان يزداد مسبقا بسبب أكثر من 3,5 مليون لاجئ سوري في تركيا. كان هذا الاستياء واضحا من خلال تزايد التوتير بين اللاجئين و المجتمعات المحلية. هذه الأزمة كان يعتقد أنها من بين عوامل أخرى تقف خلف خسارة حزب العدالة و التنمية الحاكم في الانتخابات المحلية العام الماضي. و في وجه الخسارة الكبيرة في ادلب, أرادت أنقرة أن تعوض الرأي العام بدفعهم للاعتقاد أن تركيا على الاقل ستتخلص من السوريين. و لهذا فقد كان عداد صويلو اليومي يهدف لإيهام الرأي العام أن السوريين يغادرون البلد أخيرا.

بالعودة لعام 2015, فقد تدفق 1,1 مليون لاجئ, معظمهم سوريون, إلى أوربا من تركيا في حلقة أخرى من “البوابات المفتوحة”. و لكن حينها لم يعرض أي مسؤول تركي تحديثات عن أعداد اللاجئين العابرين الى أراضي الاتحاد الاوربي. لأن التدفق حينها كان يستهدف فعليا الاتحاد الأوربي و ليس الرأي العام التركي. وعلى عكس النزوح الجماعي في عام 2015, فقد أعفت تركيا هذه المرة بلغاريا, جارتها الثانية من الاتحاد الاوربي, و وجهت اللاجئين فقط الى اليونان. معاملة بلغاريا التفضيلية ربما تعود الى زيارة رئيس وزرائها الى أنقرة في الثاني من شهر آذار. و لكن لا يمكن للمرء أن يتجاهل أن بلغاريا هي طريق بري أساسي للعبور من تركيا الى أوربا. وبعبارة أخرى ، كان لبلغاريا أوراقها الرابحة ضد تركيا.

عملية اللاجئين التي أطلقتها أنقرة كانت متزامنة إذن مع الحرب في إدلب, بحيث أن تاريخ آخر تغريدة لوزير الداخلية صويلو حول أعداد المهاجرين العابرين إلى اليونان, السادس من آذار, لا يمكن أن يكون صدفة. ففي اليوم السابق, توافقت تركيا مع روسيا على وقف اطلاق النار في ادلب. خفض للتصعيد في ادلب و الذي جاء بعد الاتفاق كان مصحوبا بتخفيف التوتر على الحدود التركية اليونانية. و في خطوة إضافية لنزع فتيل التوتير أعلن حرس البحرية التركي في السابع من آذار أنه لن يسمح للاجئين بالابحار الى الجزر اليونانية بعد ذلك من ساحل بحر ايجة التركي, تنفيذا لتعليمات من إردوغان.

أزمة اللاجئين التي أشعلتها أنقرة في ال 28 من شباط, كانت مصممة لتكون سلاحا ذو استخدام مشترك. كان هدفها الأول والأهم هو فرض أجندة إدلب والتخفيف من “أزمة اللاجئين السوريين” في تصور الجمهور. استغلت أنقرة الوضع ، وسعت أيضًا إلى ممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي ، كما يتضح من كلمات وزير الخارجية مولود شاويش اوغلو، الذي تحدث عن الحاجة إلى تحديث اتفاق اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي ، الذي تم التوقيع عليه في عام 2016 ولكن لم يتم تنفيذه بالكامل.

ربما نجحت أنقرة جزئيًا في استخدام “أزمة اللاجئين” الجديدة حتى تغطي على خسائرها في إدلب ، لكن الأزمة لم تحقق شيئا للتخفيف من عبء اللاجئين السوريين في تركيا. فالسوريون يشكلون أقلية صغيرة فقط من المهاجرين الذين توافدوا أو تم نقلهم بالحافلات إلى الحدود اليونانية. قال الصحفيون الذين غطوا الأحداث على الأرض للمونيتور إن الأفغان هم أكبر مجموعة من المهاجرين ، يليهم الإيرانيون والباكستانيون والعراقيون.

على النقيض من ذلك ، كان المهاجرون الذين تدفقوا إلى أوروبا في عام 2015 ، عندما قامت تركيا بتخفيف القيود على الحدود بهدوء، سوريين بشكل كبير جدا. ما الذي تغير في غضون خمس سنوات على تردد السوريين في المغادرة هذه المرة؟

الجواب هو أن السوريين استقروا إلى حد كبير في تركيا ، و أسسوا حياة لهم هناك. تشير الإحصائيات إلى أن عدد السوريين في تركيا قد استقر عند 3.5 مليون منذ عام 2017. لذلك ، عندما تتاح لهم الفرصة ليقرروا بأنفسهم ، يبدو أنهم يفضلون البقاء في تركيا بدلاً من مواجهة مشاريع جديدة في أوروبا. و في وجه أوروبا الغير مرحبة بهم, كما رأينا على الحدود اليونانية, فلن يغامروا باجتياز الحدود.

ألقت أزمة اللاجئين التي حرضت عليها أنقرة في ال 28 شباط على الحدود اليونانية الضوء على حقيقتين مهمتين. أولاً ، من غير المحتمل أن يغادر السوريون تركيا عن طيب خاطر ما لم يعدهم الغرب بحياة أفضل. وبالتالي ، فإن أي تهديدات بإطلاق مئات الآلاف من السوريين على أوروبا لن يكون لها نفس التأثير بعد الأزمة الأخيرة. ثانيًا ، فرضت اليونان اليقظة إجراءات صارمة على الحدود ، مما منع أنقرة من استخدام بطاقة اللاجئين بشكل فعال.

عبر محاولة استخدام ورقة اللاجئ مرة أخرى ، ساعدت أنقرة الآخرين في الواقع على الإدراك أن هذه البطاقة قد انتهت صلاحيتها

المصدر

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: