زنازين أكثر السجون ازدحاما في سوريا يتم تفريغها عبر القتل الجماعي

حكومة الأسد تضاعف عمليات قتل السجناء السياسيين فيما تتجه الحرب الأهلية إلى خاتمتها.

تحقيق ل لويزا لوفلاك و زكريا زكريا.

بيروت- بينما تستعيد الحكومة السورية السيطرة بعد سنوات من الحرب الأهلية, يقوم جيش الرئيس بشار الأسد بمضاعفة عمليات الإعدام بحق المعتقلين السياسيين عبر قيام المحاكم العسكرية بتسريع إصدار أحكام الإعدام وفقا لناجين من أسوأ سجون البلاد سمعة.

في مقابلات مع أكثر من دزينتين من سوريين أُطلق سراحهم مؤخرا من سجن صيدنايا العسكري, وصف هؤلاء الحملة الحكومية لتخليص الأرضيات من المعتقلين السياسيين. المعتقلون السابقون قالواأن السجناء ينقلون من سجون في كل أنحاء سوريا للانضمام إلى قائمة الموت الخاصة بالمعتقلين في أقبية صيدنايا ليتم إعدامهم في عمليات الشنق التي تتم قبل الفجر.

و لكن على الرغم من نقل السجناء إليه فإن تعداد قاطني زنازين سجن صيدنايا و التي قدرت في ذروتها مابين عشرة آلاف إلى عشرين ألفا سجين انخفضت بشكل كبيرة بسبب الإعدامات التي لايتم الإعلان عنها. قسم واحد من السجين أصبح فارغا تماما, بحسب معتقلين سابقين.

بعد السجناء السابقين حُكم عليهن بالشنق و لكنهم نجوا من ذلك المصير بعد أن دفع أقرباؤهم عشرات الآلاف من الدولارات لضمان إطلاق سراحهم. آخرون وصفوا كيف سمعوا محادثات بين حراس السجن تتعلق بنقلهم للسجناء إلى موتهم. تحدث هؤلاء الرجال بشرط عدم الكشف عن أسمائهم الكاملة بسبب الخوف على سلامة عوائلهم.

وفقا لمعتقلين سابقين كانا قد تعرضا للمحاكمة أمام المحكمة الميدانية الواقعة داخل مقر الشرطة العسكرية في العاصمة, فإن معدل أحكام الإعدام تسارع خلال العام الماضي و ذلك بعد أن أصبح سلوك مسؤولي المحكمة أقسى من قبل. هذان الرجلان مثلا مرتين من قبل أمام قاضي محكمة ميدانية عسكرية مرة أثناء الحرب و مرة هذا العام و هكذا كانا قادرين على مقارنة سلوك المحكمة.

لم يكن هناك أي متسع للتساهل في زيارتي الثانية للمحكمة, قال أحد الرجال. تقريبا كل رجل في تلك الغرفة كان قد حكم عليه بالموت. كان يقرؤون الأحكام بصوت عال. و حتى قبل أن يصلوا إلى المشانق, يموت الكثير من السجناء بسبب سوء التغذية, الإهمال الطبي أو الاعتداء الجسدي. غالبا ما يموتوت بعد انهيار نفسي, يقول المعتقل السابق.

 

سجين سابق قال أن الحراس قد أدخلوا عنوة ماسورة معدنية في حلق سجين من ضاحية درايا قرب دمشق. ثم علقوه على الحائط و الماسورة لاتزال في حلقه و تركوه ليموت. بقي جسده ممددا بيننا في الليل. كما قال أبو حسين, عمره 30 عاما و هو ميكانيكي من محافظة حمص. رجل آخر وصف كيف أُجبر السجناء في زنزانته على ركل رجل من مدينة داريا حتى الموت.

صور بالأقمار الصناعية لمنطقة سجن صيدنايا تم التقاطها في شهر آذار الماضي تظهر تجميع عشرات الأجسام السوداء و التي يعتقد أنها عبارة عن جثث بشرية. تم التقاط الصور من قبل الواشنطن بوست و التي طلبت من خبراء من خارج الصحيفة أن يقوموا بفحصها.

صور أقمار صناعية للمبنى الأبيض في سجن صيدنايا العسكري, تم التقاطها في مناسبتين في شهر آذار الماضي. تظهر على ما يبدو تجميعا لعشرات من الاجسام السود. يقول خبراء أنها مؤلفة من أجساد بشرية.  

معتقلان سابقان احتجزا في زنزانة أقرب لغرفة الحراس وصفا كيف سمعا محادثات بين السجانين فيما يتعلق بالإعدامات في شهر أذار الماضي. كانوا يتحدثون عن مجموعة من جثث السجناء تم نقلها إلى الفناء, كما يقول أحد المعتقلين.

صورة أخرى من صور الأقمار الصناعية لأرض عسكرية واقعة قرب دمشق, و التي تم تحديدها من قبل منظمة العفو الدولية على أنها قبر جماعي, يبدو أنها شهدت زيادة في عدد مواقع الدفن و شواهد القبو على الأقل في مقبرة واحدةة منذ بداية العام. منشقون ممن عملوا في منظومة السجن العسكري قالوا أن المنطقة الواقعة جنوب العاصمة هي في الغالب موقع لمقبرة جماعية لسجناء صيدنايا.

في المقبرة على الطريق جنوب دمشق هنالك عشرات مواقع الدفن و شواهد القبور الجديدة و التي ظهرت منذ الشتاء الماضي.

كانون الأول 2017. صور أقمار صناعية لمقبرة البحدلية  قرب دمشق تظهر صفوفا مرتبة تبدو و كأنها شواهد لقبور قد تحتوي على أكثر من جثة. الآثار باللون البني الخفيف تظهر حفرا للدفن تنتظر أن يتم ملؤوها.
آذار 2018. بعد ثلاثة أشهر ازداد عدد شواهد القبور و القبور بشكل ملحوظ في المقبرة
تشرين الثاني 2018. بعد ثمانية أشهر إضافية ازدادات رقعة القبور أكثر. المحللون يقولون أنه لم يكن هناك خسائر بالأرواح ناتجة عن عمليات قتالية في الاقليم خلال تلك الفترة. و يستنتجون من هذا أن القبور تضم سجناء ميتين.

رعب صرف

بعد سبع سنوات من الحرب مازال مصير أكثر من مئة ألف معتقل مجهولا. وفقا للأمم المتحدة و جماعات حقوق الإنسان فأن الآلاف, إن لم يكن عشرات الآلاف, ماتوا على الأرجح. مع أن كل الأطرف في الصراع اعتقلت و أخفت و قتلت سجناء, فإن الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقدر أن 90 بالمئة منهم محتجزون في سجون الحكومة, حيث التعذيب و التجويع و طرق الإهمال القاتلة الأخرى تستخدم بشكل ممنهج بهدف القتل. في إحدى المرات فإن سجن صيدنايا لوحده احتجز فيه ما يقارب عشرين ألف معتقل وفقا لمنظمة العفو الدولية.

وفي هذا التحقيق فقد قابلت صحيفة الواشنطن بوست 27 معتقلا سابقا أُطلق سراحهم مؤخرا من صيدنايا. معظمهم يعيش في تركيا, و لكن بعضهم أيضا في سوريا, لبنان, العراق و ألمانيا. كان تم التعرف عليهم من قبل سجناء سابقين آخرين و من قبل جماعات مراقبة حقوق الانسان. و تمت مقابلتهم في المدن التركية: اسطنبول, غازي عينتاب, أنطاكيا و سيفيريك, كما تمت المقابلات أيضا عبر الهاتف.

قال المعتقلون السابقون أن الحراس كانوا يفرضون صمتا مطبقا بين السجناء الذين ينامون على بطانيات مليئة بالعث و القراد و على أرضية حجرية تلتصق بسبب سوائل من اجساد بشرية. عندما تكون في صيدنايا لا يمكنك أن تفكر بأي شيء, لا يمكنك حتى أن تتحدث إلى نفسك. يقول محمد,28 عام, الضربات هي تعذيب, الصمت هو تعذيب.

وصف زملاءه في الزنزانة و الذين تركهم خلفه بأنهم حيوانات في قفص. بعضهم تحطمت معنوياتهم تماما و آخرون تحولوا لمجانين و مهووسين. الموت سيكون رحمة لهم, هذا كل ما ينتظرونه.

و مع أن أيام تنفيذ أحكام الاعدام تختلف فقد قال سجين سابق في صيدنايا أن الحراس غالبا ما يجولون بين الزنازين مساء يوم الثلاثاء, ينادون بالأسماء من اللوائح. تعلم أنهم قادمون لأنهم يقرعون على الأبواب الحديدية و يبدؤون بالصراخ علينا لندير وجوهنا. كل شخص عليه أن يحشر نفسه باتجاه الحائط و يقف بدون أي حراك قدر ما يستطيع, كما قال سجين سابق. ثم تقف هناك و تصلي ألا يسحبوك بعيدا.

في حالة محمد هذا ما فعلوه تماما. تم جر الطالب السابق من زنزانته و رأسه مغطى بقميصه و نُقل إلى قبو دور الموت, تم ضربه عندما تعثر و هو ينزل الدرج. يتذكر كيف كان محاطا بصرخات الآخرين.

تم حشر عدد أكبر من السجناء في الزنزانة المجاورة. كان من بينهم حسن, عمره 29 عاما, و هو مزارع تم نقله إلى صيدنايا من سجن مدني في مدينة السويداء. يبقى الرجال مستيقظين كل الليل ينتظرون الموت, يتحدثون بهمسات منخفضة يشاركون قصص حياتهم و قصص الندم. كان الظلام يسود هناك و لكن ما تمكنت من رؤيته في وجوههم كان رعبا صافيا, يقول حسن. في النهاية توقف الجميع عن الكلام.

و لكن عندما جاء الحراس لأخذ السجناء لم يتم استدعاء محمد ولا حسن. علموا لاحقا أن عائلاتهم دفعن عشرات الآلاف من الدولارات الى وسيط مرتبط بالحكومة, وهو جزء من شبكة نشأت خلال الحرب لتزود العائلات بأخبار أقربائهم المعتقلين و مساعدتهم على استعادتهم مقابل مبالغ مالية ضخمة.

شهادات الوفاة تزداد

الارتفاع المفاجئ في أحكام الإعدام يأتي بعد أن تم مناقشة مصير سجناء الحرب السوريين في محادثات السلام في العاصمة الكازاخية أستانة. و مع انحسار و هزيمة قوات المتمردين السوريين في الجزء الشمالي الغربي من البلاد, يعمل مسؤولون من روسيا و تركيا و إيران على التفاوض على حل لنهاية الصراع.

في هذه الأثناء بدأت الحكومة السورية تصدر شهادات وفاة لسجناء سياسيين بمعدلات غير مسبوقة. هذه الممارسة بدأت بالتسارع في شهر كانون الثاني, في حالات كثيرة تبين أن المعتقلين توفوا في السنوات الأولى للصراع. في تقرير نشر الشهر الماضي, قالت اللجنة الأممية المكلفة بالتحقيق في الجرائم في سوريا أن نشر شهادات الموت بشكل جماعي يرقى لاعتراف من قبل الحكومة أنها مسؤولة عن موت السجناء الذين أنكرت اعتقالهم لسنوات.

نعتقد أن الأمر يتعلق بكون الدولة بدأت تنظر إلى مرحلة مابعد الصراع. بدؤوا يشعرون أن وجودهم لم يعد مهددا و علينا أن ننظر بعيدا لنرى كيف نتعامل مع الشعب على نطاق واسع, كما قال هاني مجلي و هو محقق رئيسي في لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في سوريا. يطالب الناس الآن بمعلومات اضافية عما حدث, لماذا, أين؟ أين هي الجثث؟

عرض سجناء سابقون في مقابلات معهم صورة نادرة لعمل المحكمة العسكرية الميدانية, حيث يظهر المعتقلون بلا محامين ولا عرائض الاتهام هي غالبا نتيجة للتعذيب. يصل المعتقلون مكبلي الأيدي و معصوبي الأعين. نادرا ما تستغرق أكثر من ثلاث دقائق.

في بعض حالات الإعدام مؤخرا في صيدنايا يتعلق الأمر بأحكام صدرت منذ سنوات عدة. ما تغير الآن, بحسب معتقلين سابقين, هو السرعة التي تصدر فيها الأحكام الجديدة. حالما يتم شنق السجناء, يتم نقل جثثهم مباشرة من غرفة الإعدام إلى شاحنة أو سيارة الانتظار ثم تنقل للتسجيل في مشفى عسكري قبل أن يتم دفنهم في قبر جماعي أو أرض عسكرية, وفقا لمنظمة العفو الدولية.

محمد و حسان كانوا ممن سيتعرضون لهذا المصير. بعد سنوات مما وصفوه بأنه تعذيب و إهمال شديد, تركت آثارها على الاثنين على شكل ندوب و معاناة صحية شديدة, فقد نجحا في الوصول إلى تركيا عبر الحدود في بداية هذا العام.

عندما عبر حسان من مناطق سيطرة الحكومة إلى مناطق سيطرة المتمردين قرب الحدود التركية, عبر المهرب الذي قاد المجموعة خطأ على لغم مما أدى إلى بتر ساق حسان. لازال يصرخ في نومه. لا يمكن أن تنسى ذكريات صيدنايا, قال حسان. معظم نزلاء زنانتي هم الآن ميتون. لا أزال أفكر في الناس الذين لازالوا هناك.

المصدر: واشنطن بوست.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: