طافت الصورة العالم.
طفل صغير من حلب يجلس مع نظرة فارغة في سيارة اسعاف. يغطي الغبار جسمه, يلتصق الدم على وجهه. لقد عايش منذ قليل غارة جوية. في الصورة نجد عمران دقنيش. في شهر آب الماضي تم تداول الصورة عبر الفيسبوك و تويتر من أناس حول العالم. كل أراد أن يشارك في مصير الطفل الصغير من سوريا.
تحول الطفل الصغير إلى صورة رمزية لحرب مرعبة. و الآن توجد صور جديدة لعمران تظهره معافى و سعيد. نشر أنصار الأسد الصور عبر الانترنت. في البداية كان رمزا للمتمردين و الآن لأنصار الأسد. الصور توضح كيف يتم التلاعب بالأطفال في الحرب.
الأطفال أبرياء. ليسوا مسؤولين عن أفعال البالغين. بالنسبة للأنظمة القمعية و للأطراف المشاركة في الحرب فهم مهمون بشكل خاص. طفل يبكي أو يضحك يعتبر شيئا حقيقيا. كم يكون الديكتاتور سيئا عندما يجلس طفل ضاحك في حضنه؟ هذا الربط الإيجابي يستفيد منه الدكتاتوريون و لكن أيضا أعداؤهم.
و إليكم عدة أمثلة:
– الطفلة بانا البالغة من العمر 11 عاما كانت ترسل تغريدات من مدينة حلب المدمرة. الكثير من رسائلها كانت تكتب بمساعدة الأم. فيما بعد استقبلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان, الذي هو نفسه يأمر بقصف متمردين في سوريا, و قدم نفسه في الصورة المشتركة معها على أنه منقذها.
– كيم جونغ ايل: دكتاتور كوريا الشمالية ينفق الكثير من المال على الأسلحة بينما يتضور الكثير من الناس في البلد جوعا. في الصور لانشاهد شيئا من هذا المعاناة. و لكن عند زيارته لملجأ للاطفال يصفق الجميع عند الطلب.
و بالعودة الى عمران من حلب. في البداية كان رمزا بالنسبة للمتمردين في البلد لوحشية نظام الأسد. و الآن فجأة أصبح يستخدم من قبل أنصار الأسد رمزا للأمان و الاستقرار في البلد. الادعاء من قبل أنصار الأسد أن معاناة عمران حينها تم التلاعب بها.
يتعلق الأمر تحديدا بصور نشرتها الناشطة الموالية بشدة للأسد سارة عبد الله. تدعي عبد الله ان أصحاب القبعات البيض و هم مجموعة اسعاف تعمل في مناطق المتمردين قاموا بالتلاعب بالصبي من أجل التقاط صور له. الصورة من العام الماضي كانت كذبة, فعمران لم يكن ضحية لغارات لسلاح الجو السوري. عمران و عائلته يتمنون العيش بأمان و هم من أنصار الحكومة السورية. في الحرب السورية يقاتل متمردون و ميليشيات اسلامية ضد جنود و داعمي نظام الديكتاتور بشار الأسد. مدينة عمران حلب كان مسرحا لمعارك عنيفة.
و لكن هل الصورة الجديدة لعمران صحيحة؟ احتمال كبير أن تكون الصورة فعلا لعمران. الصور انتشرت في الإعلام الموالي للنظام و الذي قام بزيارة عائلة دقنيش و أيضا في الإعلام المقرب من المتمردين. كلا الطرفين يقتبس من مقابلة مع والد عمران. لا يمكن الحكم على كيفية التقاط الصور لعمران و اذا ما كانت أقوال والده صادقة. فلا يوجد في سوريا أي إعلام محايد. نظام الأسد يختلق واقعا خاصا به. لهذا يجب التعامل بنقد مع أقوال الأب فاحتمال كبير أن يكون تم إرهابه من قبل النظام.
المواطنون الذين لا يخضعون لحكومة الأسد يختفون منذ سنوات في سجون تعذيب وحشية. الأسد يعرض نفسه على انستغرام باستمرار مع أطفال صور عمران تم استخدامها من قبل أنصار الأسد في شبكة الانترنت. و أيضا قناة الدعاية الروسية RT حملت فيديو المقابلة على موقع اليوتيوب. روسيا تدعم الأسد في الحرب السورية و هي أيضا مهتمة بإظهار الديكتاتور بصورة جيدة.
أيضا الصحفية الموالية للأسد كنانة علوش قامت بتكليف من قناة سما بزيارة العائلة. كتبت عبر الفيسبوك: هذا هو الطفل عمران. أولئك الذين يسفكون الدم السوري أرادوا خداع الإعلام و زعموا أنه قصف من قبل الجيش السوري. هنا يعيش في الدولة السورية مع الجيش و القائد و الشعب.
في المقابلة يتحدث أب العائلة أن المتمردين طلبوا منه المزيد من الصور بمقابل مادي. ولكنه رفض كل العروض و حتى المقابلات. الآن يعيش مع عائلته في الجانب الغربي الآمن من مدينة حلب. ماذا ينفع التلاعب الأسد؟ تحولت الحرب السورية قبل كل شيء الى حرب حول الحقائق التي تريد كل الأطراف التأثير عليها. فالإسلاميون يظهرون الحرب كلعبة كمبيوتر, و المتمردون و المنظمات الإغاثية يراهنون قبل كل شيء على الصورة التي تظهر معاناة البشر. نظام الأسد يراهن على إظهار الحياة العادية. يريد أن يظهر للعالم ان سوريا تحت حكم الأسد تسير أمورها بخير و متماسكة. و يتضمن ذلك أيضا نشر التشكيك بجرائم الحرب التي يرتكبها نظام الاسد على سبيل المثال الهجمات بالسلاح الكيميائي التي تم التحقق منها منذ وقت طويل.
الهدف هو: إظهار جرائم الأسد على أنها أقل الشرور. يجب أن يعيد الغرب التفكير به كرئيس لسوريا.
تحول عمران دقنيش إلى رمز غير إرادي للصراع. استخدم المتمردون صورته حتى يوثقوا ممارسات الأسد الوحشية. عندما يُظهر إعلام الدولة كيف تم استغلال عمران فهم يهدفون إلى عكس هذا التأثير على من قام به. و السؤال الذي قد يُطرح هنا: إذا كان هو مؤيدا للديكتاتور فلماذا تكون عائلته ضحية لهجمات جوية؟
و حتى الصحفيون الذي بثوا تقريرا عن الحياة الجديدة لعمران فهم مؤيدون للديكتاتور الأسد:
– الناشطة سارة العبد الله التي تسمي نفسها على تويتر بالمستقلة تقود في الواقع حملة بروباغندا لنظام الأسد و تم ضبطها في السابق و هي تنشر أخبارا كاذبة.
– و الصحفية كنانة علوش لاتعمل أيضا كمستقلةز فقط قبل بضعة أشهر قامت بتصوير نفسها في „سيلفي“ مع عدة جثث لمعارضين لنظام الأسد.
و بشكل عام يتم وصف كل المعارضين بأنهم إرهابيون و مجرمو حرب. الصحفيون الذين يُسمح لهم بزيارة البلد يتم مرافقتهم بشكل دائم من قبل عناصر المخابرات الذين يحرصون على انتقاء ما يسمح لهم بمشاهدته و توثيقه. و لهذا يوجد فقط صور مسبقة الإعداد و لاتوجد نظرة واقعية حول البلد. الشيء الوحيد الذي يمكن استخلاصه: قبل عام أصيب عمران دقنيش في حرب مستمرة منذ ست سنوات. كانت صورته تعبر لوقت طويل عن وحشية هذه الحرب. و الآن تعبر إضافة إلى ذلك عن طرق التلاعب بحقيقة هذه الحرب.
اترك تعليقًا