سيدة سورية تكشف كذب البنتاغون

سيدة من مدينة اللاذقية تكشف كذب تقارير البنتاغون عن عدد الضحايا المدنيين للضربات الأمريكية في سوريا وتُجبر الولايات المتحدة على أعادة تقييم تقارير وكالة الدفاع :

في إحدى الأيام في الريف خارج لندن، أوصلت كندة حداد طفلتها إلى المدرسة، وعادت إلى المنزل وبدأت في البحث في جهاز الكمبيوتر الخاص بها في تقارير اليوم الأولى عن مقتل مدنيين سوريين جراء الضربات الجوية الأمريكية.

خارج نافذة غرفة المعيشة في بيتها، كانت شجرة الصفصاف تتمايل مع النسيم. في الداخل، كانت كندة حداد تحدق في شاشة الكمبيوتر في صورالأطفال القتلى والجثث المتربة والدماء و أكوام الأنقاض. وقد حافظت على مستوى الصوت منخفض
تقول كندة: ” أحاول عدم الاستماع للصوت لأنه يجعل الصور أكثر إثارة للقلق والرعب ”

هذه هي سنتها الثانية منذ بدأت بالقيام بذلك، وهو روتين يومي تقريبا منذ أن أصبحت كندة حداد (٤٥ عاما) أحد المحللين الرئيسين لـ Airwars وهي مجموعة غير ربحية تضم ثمانية أشخاص تبحث عن جواب لسؤال بسيط: كم عدد المدنيين بالضبط الذين قتلوا في الحرب الأمريكية بسبب حملاتها الجوية في العراق وسوريا ؟

هل من الممكن حتى أن نعرف الجواب؟

المصادر المعتادة لهذه المعلومات هي الصحفيين، والأمم المتحدة، وجماعات حقوق الإنسان التي ترصد تقليديا وفيات المدنيين ولكن جميع أولئك كانوا غائبين إلى حد كبير عن ساحات القتال، لا سيما بعد سلسلة من عمليات الاختطاف وقطع الرؤوس للصحفيين والعاملين في مجال المعونة في سوريا.

” وهكذا بدأت Airwars تحاول استنتاج الجواب ” كندة حداد في غرفة المعيشة وسبعة آخرين في لندن والأردن وتركيا وبغداد وهي عملية مضنية تنطوي على غربلة عشرات الآلاف من مقاطع الفيديو المصورة، نشرات الفيسبوك، والحسابات العسكرية الأمريكية وغيرها من فتات المعلومات من الحرب التي غالبا لا يشعر بها أحد باستثناء السوريين والعراقيين الذين يحاولون بشكل يائس توثيق تدمير بلادهم ومدنهم

وقد شكت كندة في البداية أن المعلومات لن تكون كافية لتبدأ عملها. لكنها سرعان ما أدركت أن المشكلة هي عكس ذلك: ” ليست المشكلة قلة العلومات لكن يكاد يكون هناك معلومات اكثر من اللازم ”

والنتيجة حتى الآن: في أكثر من ألف يوم من التفجير، يقدر أن الولايات المتحدة وحلفائها قتلوا ما لا يقل عن ٣٢٠٠ مدني أي أكثر من تسعة أضعاف حالات الوفاة التي اعترف بها الجيش الأمريكي وهي ٣٥٢،
الرقم الكبير هذا تنكره وزارة الدفاع الأمريكية

قال مايكل غرايمز الذي يقود وحدة من الجيش الأمريكي مكونة من شخصين ومهتمة بإجراء تقييم أولي لمزاعم سقوط ضحايا في العراق وسوريا : ” الكثير من الأدعائات التي نحصل عليها يمكن أن تكون غامضة جدا. وهذا يجعل المهمة صعبة للغاية عندما لا نملك معلومات محددة و دقيقة ”

باستخدام مصادر وسائل التواصل الاجتماعية، تبحث كندة حداد عن إصابات المدنيين الناجمة عن التحالف الأمريكي والضربات الجوية الروسية في سوريا من منزلها خارج لندن

وقالت: ” أنا أفتح بعض المصادر المحددة ” نقلا عن الرقة تذبح بصمت، صوت الشرق، وحقيقة الرقة والفرات بوست التي تخبر سراً من أراضي الدولة الإسلامية عن أرقام الضحايا المدنيين من جراء القصف

وقد بدأ العديد من هذه الصفحات على الفيسبوك أو حسابات تويتر لتركز على توثيق التجاوزات الوحشية لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد أو القتل الدموي من قبل تنظيم الدولة الإسلامية. ومع تضاعف القتال وتزايد المعارك، توسعت مهمة هذه المصادر لنقل كل أخبار الفوضى والمعاناة التي أصابت سوريا.

كندة حداد تترجم المشاركات العربية من مواقع التواصل الأجتماعي إلى اللغة الإنجليزية في وثيقة يمكنها وزملاؤها إضافتها وتحليلها على مدار اليوم

بعض الأخبار مثل الضربات الجوية على مدينة طبقة، تسفر عن تفاصيل نادرة، في حين أن البعض الآخر يؤدي إلى كمية معلومات ضخمة تستغرق أيام للتحليل من أجل تجميع وضم أسماء القتلى والصور وأشرطة الفيديو. في غضون أكثر من عامين من العمل، جمعت كندة حداد وغيرها من الباحثين في Airwars أسماء أكثر من ١٣٠٠ضحية في العراق وسوريا.

وقال كريس وودز، وهو صحفي مؤسّس : ” هؤلاء ليسوا ضحايا مجهولين للحروب الماضية “.

ويكمن التحدي الأكبر لمحللى Airwars في تحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة أو المقاتلين الآخرين قد أسقطوا القنبلة في حادث معين.

في آذار توقف محللو Airwars ، الذين تغلب عليهم تسارع وتيرة الحرب في العراق وسوريا، عن إجراء تقييمات مفصلة للضربات الجوية الروسية وهجمات الحكومة السورية.

وتقدر Airwars ان الولايات المتحدة وحلفائها قتلوا اكثر من ٣٢٠ مدنيا في سوريا في اذار ، اي ما يقرب من سبعة اضعاف عدد القتلى الذي تم جمعه لشهر شباط. وبالنسبة إلى وودز، أظهر الارتفاع أن إدارة ترامب قد خففت من الاستراتيجية العسكرية التي كانت تحمي المدنيين.

وقالت ” عندما نحصل على هذه الارقام الضخمة من التقارير التى تقول ان المدنيين يموتون، يجب ان نستمع ”

تركز كندة حداد على التفاصيل الجزئية. قبل يومين، قضت مع عبد الوهاب طحان، الباحث السوري الآخر، يوما كاملا لتوثيق الضحايا بعد سلسلة من الضربات الجوية في بوكمال، وهي قرية تقع في شرق سوريا.

تقول حداد أنها قد اتطلعت على شريط فيديو من شمال سوريا، كان موقعا لهجوم جوي أمريكي متواصل في ربيع عام ٢٠١٥. المشهد يبدأ بشاحنة صغيرة مليئة بجثث الأطفال المتشابكة. ثم ظهر رجل كبير السن مليء بالحزن والغضب التقط جثة طفل بلا رأس ورفعها نحو السماء حيث كانت الطائرات الأمريكية وبدأ يصرخ :

” هل هذه الدولة الإسلامية؟ هل هذه الدولة الإسلامية ؟ ”

وكثيرا ما تختفي مثل هذه الصور من يوتيوب أو الفيسبوك، لذلك توجب على حداد وزملائها أرشفتهم. وفي ذلك الوقت، ظنت كندة حداد أن الأمم المتحدة أو وسائل الإعلام أو جماعات حقوق الإنسان ستكون مهتمة بهذه المعلومات.

لكن في الآونة الأخيرة، كان الجيش الأمريكي من أكثر المهتمين بتوثيق الضحايا. في الخريف الماضي، عرض مسؤولو Airwars مشاركة جميع البيانات التي جمعتها بشأن الضحايا المدنيين مع.البنتاغون

ومنذ ذلك الحين قام الجيش الامريكى بمراجعة ما يقرب من ٣٥٠ حادثة قتل مدنيين مزعومة من قبل Airwars يعود تاريخها الى قبل عام، وقرر ان ما يقرب من ٨٠ منها تتطلب تقييما أضافياً . أما الحالات الأخرى، قال مسؤولون عسكريون إنهم لم يتمكنوا من العثور على سجلات عن ” تاريخ الضربات التي يمكن أن تكون مؤكدة في المنطقة ” وقت توثيق الادعاء.

الآن Airwars ترسل للجيش المزيد من الادعائات لمراجعتها كل شهر. وقد أعطى المسؤولون العسكريون، في بعض الحالات، Airwars إحداثيات جغرافية دقيقة للقنابل للتأكد من أنها ليست هجمات مزدوجة.

صورة من سوريا معلقة على مكتب كندة حداد. في فترة السبعينات من القرن الماضي، بالأسود وأبيض لها وشقيقتها بين والدها السوري ووالدتها الأرمينية الهولندية.

تقول حداد عن البلد الذي أمضت فيه طفولتها ومراهقتها في السنوات الماضية: ” أرادت أمي أن نخرج من سوريا قبل أن نتزوج . هي لم ترغب في أن نعيش في ديكتاتورية ” وطلبت من الصحيفة عدم ذكر القرية الإنجليزية حيث تعيش لأسباب أمنية.

وقد قامت حداد بزيارة سوريا في عام ٢٠١١ لرؤية والدها الذي تقاعد وتم نقله إلى المنزل بعد سنوات عديدة في الخارج. بعد أيام قليلة فقط من إجازتهم، بدأت الانتفاضة ضد نظام الأسد في بلدتهم اللاذقية. وقالت “لم نستطع مغادرة المنزل”. ” كان الأطفال صغار، لذا فكرت، ما هي الفائدة من تعريض حياتهم للخطر ” غادرت بعد ثلاثة أيام

وبعد عدة أشهر، توفي والدها. لكن زوج كندة حداد حثّها على عدم القيام بالرحلة الخطيرة إلى الجنازة، ووافقت على مضض. ” إنه قرار أتأسف عليه الآن ”
وقالت: ” كان يجب أن أذهب ”

قبل عامين، كانت تبحث عن معلومات تخص وفاة رجل في العشرينيات من عمره أفيد عن مقتله في غارة جوية أمريكية قرب إدلب. وسجلت حداد اسمه في عدد قليل من محركات البحث على الانترنت واكتشف فيديو من فبراير ٢٠١٣ للرجل، يقوم بترديد أغاني الثورة ” المسلمون والمسيحيون، هم جميعا يشتمون بشار”، غنى في الفيديو القصير الملتقط من هاتف محمول و تلقى ١٣٠ مشاهدة فقط على اليوتيوب . واضاف ” لن نتخلى عن ثورتنا حتى يتم ادانة الجزار حتى الموت “.

في شريط فيديو آخر بعد ١٨ شهرا، كان الرجل نفسه لديه لحية كاملة، ويغني أغنية في مدح شهداء الدولة الإسلامية. تساءلت كندة حداد كيف يجب أن تصنفه: هل كان مدنيا أم مقاتلا؟ ضحية أو إرهابي؟

كندة ترى في تحوله مثال عن التحول الذي أصاب بعض المعارضين. وقالت كندة : ” تظهر مقاطع الفيديو كيف بدأت الثورة وأين ذهبت ” واضافت ” انها تظهر اين ذهبت سوريا ”

قضت حداد الجزء الأخير من يومها، قبل أن يعود أطفالها من المدرسة، تبحث عبر الإنترنت عن أعماق، وكالة الأنباء التابعة للدولة الإسلامية. ويخصص جزء كبير من الموقع لدعاية الدولة الإسلامية، ولكنه يمكن أيضا أن يكون مصدرا هاما للمعلومات والصور والفيديو عن الإصابات بين المدنيين في أماكن مثل الرقة

وقالت ” من المثير للدهشة انهم لا يبالغون فى خسائر المدنيين “. ” في الواقع، يمكنك الحصول على بعض الأرقام أعلى في مكان آخر. ربما لا يريدون أن يفكر الناس أنهم يخسرون؟ ربما يريدون قوة لمشروعهم ؟ ”

نظرت كندة إلى الساعة لتعلم أنه حان موعد جلب طفلتها من المدرسة واخذها الى درس الباليه

” المعطف، المعطف ” صرخت كندة وهي تدفع طفلتها نحو الباب. وخلال دقائق تم أجلاسها وربط حزامها في سيارة العائله، وبدأت السير في الريف الإنجليزي.

 

 

 

3 رأي حول “سيدة سورية تكشف كذب البنتاغون

اضافة لك

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: